مؤمن سليم يكتب | الأدلة الرقمية في الإجراءات الجنائية

0

وافق مجلس النواب خلال مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد على المادة رقم (79) من مشروع القانون، والتي تنص على حق النيابة العامة بعد الحصول على إذن القضاء، في مراقبة المكالمات وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والرسائل ..ألخ.
وعلى الرغم من أن المقترح (المُوافق عليه) لم يأتي بجديد على المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية الساري، سوى بإضافة بعض الأدلة الرقمية مثل البريد الألكتروني وحسابات ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن المقترح أثار الكثير من اللغط والمناقشات حول كيفية صون الحريات والبيانات الشخصية للمواطنين، وهي مناقشات هامة وصادقة ويجب تعزيزها، إذ لا يجب أن يتعارض حق السلطة العامة في حفظ الأمن، مع التزامها بحماية وصون الحريات والبيانات الشخصية للمواطنين، ولا يجب للأخيرة أن تكون عائق أمام تحقيق الأولى، لذلك يأتى القانون ليضع الضوابط العامة في ممارسة الحقوق وتحقيق الإلتزامات، من خلال وضع الضوابط وفرض القيود للحد من إساءة إستخدام السلطة لحقوقها، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم من ناحية أخرى.
وبالعودة إلى مقترح المادة 79 والغرض منه وفق بيان مجلس النواب هو (تماشياً مع التطور التكنولوجي الحالي)، وهو أحد أهم الأهداف التشريعية لكافة هيئات التشريع، وهو تحديثها وفقاً للتطورات التي يشهدها المجتمع والسلوك الإنساني، فالعالم يشهد ثورة رقمنة لكافة الأشياء وفي كافة المجالات بما فيها مجال صناعة التشريعات ذاته، هذه الثورة الرقمية التي تقوم بتحويل كافة الأنظمة التقليدية مثل الورق والتناظرية إلى أنظمة رقمية تعتمد على الحواسيب وتقنيات الذكاء الإصطناعي، والتي أفرزت عوالم افتراضية متكاملة وجعلت من الأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها وخدماتها ضرورة يومية وجزء رئيسي لا يمكن الإستغناء عنه.
إلا أن مقترح المادة (المُوافق عليه) قام بدمج الأدلة الرقمية إلى الأدوات التقليدية دون مراعاه لخصوصية ذلك النوع من الأدلة، والذي كان بحاجة إلى تخصيص باب كامل في مشروع القانون تحت أسم “الأدلة الرقمية” يتناول التعريف وتحديد أنواعها، وكيفية تحصيل وجمع تلك الأدلة، والإجراءات القانونية والفنية اللازمة لحفظ تلك الأدلة وضمان عدم العبث بها أو إتلافها، ومسئولية مقدمي الخدمة في التعاون مع جهات التحقيق، تنظيم عمل الخبراء الفنيين في تحليل وتوثيق الدليل الرقمي..الخ. ولا يُغني عن ذلك قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والذي نص لأول مرة في تاريخ التشريعات المصرية على ما يسمي بالدليل الرقمي ووضع له تعريفاً نرى أنه من أفضل التعريفات (الجامعة) لماهية الدليل الرقمي، وعلى الرغم من تشابه المادة 79 في مشروع قانون الإجراءات الجنائية مع المادة السادسة من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، إلا أن الأخيرة والتي جاءت تفصيلية -نوعاً ما – قد وردت على سبيل التخصيص للجرائم التي تقع في ظل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ولا يمكن تطبيقها على قانون الإجراءات الجنائية.
لا تزال التشريعات القائمة حول الأدلة الرقمية تواجه صعوبة في التعامل القانوني والفني مع تلك الأدلة المستحدثة، خاصة فيما يتعلق (بصحة أو أصالة الدليل وأنه لم يتم التلاعب به، بمدى صلاحيته كدليل إثبات أو نفي، مدى إمتثاله للقانون من خلال إتباع الإجراءات القانونية في استخلاصه وحفظه)، وهناك الكثير من التشريعات المقارنة التي قامت بإعداد رؤية لكيفية التعامل مع الأدلة الرقمية والتي يمكن الإعتماد عليها في وضع الإطار العام لقواعد الأدلة الرقمية، مثل قانون الإجراءات الفيدرالية الأمريكي (Federal Rules of Evidence)، وأيضاً اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية والتي توضح في المواد من 25 وحتي 30 كيفية مراقبة وتتبع الأدلة الرقمية، وكذلك اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات GDPR،
نحن بحاجة إلى عدد من التشريعات التى تتعلق بالعمليات الرقمية، تعمل على تحقيق توازن بين حماية الخصوصية والبيانات وضمان الأمن العام، حيث أصبحت الأدلة الرقمية عنصرًا أساسيًا في حياتنا وجزء أصيل في تكوين القضايا الجنائية والمدنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.