مؤمن سليم يكتب | الأصول الرقمية.. ثورة الاقتصاد الحديث

0

لم يعد التحول الرقمي مجرد رؤية مستقبلية، بل واقع يعيد صياغة تفاصيل حياتنا اليومية. فقد أصبح هذا التحول الركيزة الأساسية للتقدم العلمي والاقتصادي، حيث قلب الأنظمة التقليدية رأسًا على عقب، وقدم مفهومًا جديدًا للثروة عبر الأصول الرقمية. هذه الأصول تتجاوز الصورة النمطية للأصول التقليدية – كالعقارات، النقود، أو الذهب – لتشمل مجموعة واسعة من الموارد غير الملموسة. فإلى جانب العملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم، والممتلكات الافتراضية في عوالم الميتافيرس، تشمل الأصول الرقمية مواقع الإنترنت، حسابات التواصل الاجتماعي (مثل حسابات إنستجرام أو أكس، ذات التأثير الكبير)، المدونات، منصات التجارة الإلكترونية (مثل متاجر Shopify أو Amazon)، نقاط الولاء الرقمية (مثل برامج المكافآت في تطبيقات الشراء الإلكتروينة)، الملفات الرقمية (مثل الصور الفوتوغرافية المخزنة على Google Drive أو مقاطع فيديو يوتيوب)، البيانات السحابية، وحتى الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) التي تمثل أعمالًا فنية أو مقتنيات رقمية.
مع تزايد انتشار التجارة الإلكترونية واندماج العوالم الافتراضية في حياتنا، أصبحت الأصول الرقمية تحمل قيمة اقتصادية تضاهي – وأحيانًا تفوق – الأصول التقليدية. فعلى سبيل المثل، يمكن أن يدر حساب تواصل اجتماعي شهير ملايين الدولارات من خلال الإعلانات أو الشراكات التجارية، كما أن NFTs مثل تلك التي أطلقها الفنان الرقمي Beeple والتي بيعت بتسعة وستون مليون دولار، وهو أعلى مبلغ لعمل رقمي تم بيعه في تاريخه 2021. لكن هذا النمو المتسارع يثير تحديات قانونية وأخلاقية معقدة، تتطلب أطرًا تنظيمية متطورة لمعالجة قضايا مثل خصوصية البيانات، الأمان السيبراني، ونقل الأصول الرقمية إلى الورثة. على سبيل المثال، كيف يمكن نقل ملكية حساب تويتر مؤثر أو محفظة بيتكوين بعد وفاة المالك؟
ورغم أهمية هذه الأصول، يظل غياب تعريف عالمي موحد لها عائقًا كبيرًا. فقد قدمت جهات متعددة تعريفات مختلفة، مثل القانون التجاري الموحد في الولايات المتحدة، قانون ولاية ديلاوير للوصول الائتماني إلى الأصول الرقمية، توصيات فرقة العمل المالي (FATF)، التنظيم الأوروبي رقم 114/2023، وتنظيم الأصول الافتراضية في الإمارات لعام 2022. ومن الأمثلة الأخرى، قانون الأصول المشفرة في سنغافورة الذي يركز على تنظيم العملات الرقمية، وتشريعات هونغ كونغ التي تهدف إلى حماية المستثمرين في منصات التداول الرقمي. لكن هذه الجهود المحلية تفتقر إلى التنسيق العالمي، مما يعيق تطوير إطار تنظيمي شامل.
هنا تبرز أهمية منظمات مثل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (UNCITRAL)، التي يمكنها قيادة جهود توحيد التعريفات وصياغة قانون نموذجي عالمي. مثل هذه المبادرة ستساعد الدول على مواءمة تشريعاتها مع معايير دولية، مما يعزز التناسق عبر الحدود. وفي هذا السياق، يمكن لدول مثل مصر، بعد إصدار تشريعات محلية لتنظيم الأصول الرقمية، أن تساهم في مبادرات دولية لوضع معايير عالمية. على سبيل المثال، يمكن اقتراح إطار لتسجيل الأصول الرقمية في سجلات بلوكتشين لضمان الشفافية والأمان.
الأصول الرقمية ليست مجرد اتجاه عابر، بل العمود الفقري للاقتصاد الرقمي الحديث. ومع استمرار تطورها، يجب على الأطر القانونية أن تواكب هذا التحول عبر تعريفات واضحة وتنظيمات منسقة عالميًا. من خلال ذلك، يمكننا تسخير إمكانات الأصول الرقمية لتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي، مع ضمان الحماية والعدالة لجميع الأطراف المعنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.