مؤمن سليم يكتب | التشريع بين السياسة والصياغة
يقول الفيلسوف جان جاك روسو “القوانين الجيدة تؤدي لخلق قوانين أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى قوانين أسوأ”، ويمكن أن نقول إن القوانين الجيدة تؤدي لخلق مجتمع أفضل، والقوانين السيئة تؤدي إلى خلق مجتمع أسوأ.
عرفت مصر أول تشريع فى تاريخ البشرية وهو قانون تحوت 4200 قبل الميلاد، ومن قبله ومنذ نشأة الحضارة المصرية كان لزاماً لذلك وضع بعض القواعد لتعايش مجموعة من البشر على ضفاف النيل، لتنظيم تعاملتهم وللحفاظ على مواردهم وعلى حياتهم، وهو مفهوم القانون الحالي.
توالت عملية إعداد وصياغة التشريعات المصرية والتى تناقلت الأمم والحضارات مفهومها وضروريتها وكيفية إعدادها، وصولاً إلى الدولة المصرية الحديثة 1805.
بمقارنة التشريعات والقوانين التي صدرت في تلك الفترة نرى أننا نواجهة ترديا واضحا فى التشريعات التى تصدر من عدة عوامل، الصياغة من ناحية ومدى القبول والرضا المجتمعى وتطبيق القانون من ناحية أخرى، واستمرارية القانون واستقراره من ناحية أخيرة.
بمراجعة القوانين التي صدرت فى آخر عشرين عاما نرى أن القانون الواحد تم تعديله مرات كثيرة، والأكثر سوءًا أن القوانين تصدر فى مواد مختصرة وتُحيل فى تفسيره وتفصيله وآليات تنفيذه إلى اللائحة التنفيذية أو قرارت الجهة الإدارية المختصة، وهو أمر معيب ومخجل أن تحيل الجهة التشريعية سلطتها وحقها فى إصدار القوانين إلى الجهات التنفيذية التى تعد أحد الأطراف المعنية بتنفيذ القانون والالتزام به وهو ما دفع محكمة النقض المصرية أن تناشد فى أحد أحكامها السلطة التشريعية أن تحد من عملية الإحالة فى تنظيم التشريع إلى الجهات التنفيذية – دون جدوى – .
على سبيل المثال قانون الاستثمار وهو القانون المعنى بتنظيم وتحفيز الاستثمار فى مصر تم تعديله أكثر من 20 مرة خلال العشرين سنة الماضية تقريباً، بمعدل تعديل كل عام، وآخرهم القانون رقم 72 لسنة 2017 وهو القانون الجديد كلياً والخاص بالاستثمار، والذي تم تعديله عام 2019 فضلاً عن تعديل اللائحة التنفيذية الخاصة به.
كذلك القانون رقم 196 لسنة 2008 والخاص بالضرائب العقارية تم تعديله أكثر من خمس مرات “قبل تطبيقه” عام 2014 كما تم تعديله أيضاً بعد تطبيقه. وقوانين الضرائب والجمارك والشهر العقارى وقوانين التكنولوجيا المالية وما يتربط بها من قوانين .. إلخ، وهو ما أدى إلى عدم استقرار تشريعيى من شأنه التأثير سلباً على مناخ الاستثمار من ناحية وعلى الاستقرار المجتمعى من ناحية أخرى، فضلاً عن تعاقد القوانين وتشابكها والإفراط فى إصدارها دون اتباع الضوابط التشريعية فى عملية الإعداد والصياغة، وهو ما أدى إلى تفاقم التشريعات فى مصر وهو ما يفرض علينا ونحن على أعتاب الجمهورية الجديدة أن نراجع هذا الكم الهائل من التشريعات.
كما يجدر بنا أن نناشد مجلس النواب الذي سيبدأ فى دور انعقاده الثاني مطلع أكتوبر القادم أن يحرص كل الحرص وهو بصدد إصدار التشريعات ألا يقوم بإصدار تشريع أو تعديل إلا بعد مناقشات مجتمعية وبعد صياغة متماسكة وواضحة، وأن يصدر تشريعات تليق بتاريخ مصر التشريعي وبنظامها السياسي القائم.
كما نطمح فى أن نرى نتائج برنامج “إرادة” لحصر ومراجعة التشريعات المصرية، وكذلك لجنة الإصلاح التشريعي. فمن الطبيعى أن تمتلك مصر صاحبة هذا التاريخ التشريعى المشرف هذا الكم الهائل من القوانين، إلا أنه لا يمكن أن نخطو نحو الجمهورية الجديدة ورؤية مصر 2030 وطموحنا فى جذب الاستثمارات “العامل الرئيسي الذى يتحكم فى معدل النمو الاقتصادى” التى نعمل فى سبيلها من خلال تحسين الطرق والبنية التحتية وإنشاء مناطق حرة واقتصادية.. إلخ، إلا من خلال استقرار تشريعي وعبر تشريعات متزنة وواضحة الصياغة.
إن القانون هو المعبر عن الدولة، كما أنه يمثل العدالة، والعدالة تقتضي الوضوح، والوضوح يفرض على أن يقوم كل منا بعمله، تصدر الجهة التشريعية القوانين، وتقوم على تنفيذها الجهة التنفيذية. هناك مثل أمريكي يقول “القوانين اللينة لا تُتبع والقوانين القاسية لا تطبق”.