مؤمن سليم يكتب | مصر في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال

0

أصدر البنك الدولي تقريره الجديد Business Ready (B-READY) 2024  ليكون المؤشر الأحدث لقياس بيئة الأعمال عالميًا بعد توقف مؤشر سهولة ممارسة الأعمال في سبتمبر 2021، بعد جدل واسع حول منهجية التقرير وتشجيعه للحكومات على بعض الإصلاحات الشكلية لتحسين ترتيبها، فضلاً عن اتهامات بالتحيز والتلاعب بالبيانات. يركز التقرير الجديد لقياس بيئة أو مناخ الأعمال على الدمج بين الكفاءة الإجرائية وجودة السياسات والإطار القانوني، ويقوم على ثلاثة أعمدة أساسية، الإطار التنظيمي، الخدمات العامة، والكفاءة التشغيلية، ويقيس عشرة محاور تغطي دورة حياة الشركات، من إجراءات تأسيس الشركات إلى إعسارها، وخدمات المرافق، والعمالة، والخدمات المالية، والتجارة الدولية، والضرائب، وتسوية المنازعات، مع إيلاء اهتمام خاص بالرقمنة، الاستدامة البيئية، والمساواة بين الجنسين.

وفقًا للتقرير، تصدرت سنغافورة، إستونيا، جورجيا، والبرتغال المراتب الأولى عالميًا في أكثر من محور، بينما سجلت دول إفريقية مثل رواندا أداءً لافتًا في الخدمات العامة والكفاءة التشغيلية، ما يعكس إمكانية تحقيق تقدم رغم محدودية الموارد. في المقابل جاءت دول أخرى في مراتب متأخرة جدًا مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى بسبب ضعف الهياكل المؤسسية والخدمات العامة.

بالنسبة لمصر فقد جاءت في الشريحة الدنيا (الثلث الأخير عالميًا) بين الاقتصادات المشمولة بالتقرير، وهو مؤشر مقلق إذا ما قورن بالجهود الضخمة التي بُذلت في السنوات الأخيرة على مستوى البنية التحتية والمشروعات القومية. حيث يظهر التقرير أن مصر ما زالت تعاني من ثلاث مشكلات محورية.

المشكلة الأولى تتعلق بالتعقيد التشريعي وتعدد الجهات رغم التعديلات القانونية المتنوعة خلال السنوات الماضية مثل تحديث تشريعات الطاقة والرقمنة الجزئية للإجراءات، فلا يزال المستثمر يواجه شبكة متداخلة من اللوائح وتعدد الجهات الحكومية، ما يرفع تكلفة الوقت والامتثال، والمشكلة الثانية هي ضعف الخدمات العامة، مثل  تسجيل الأراضي، الإجراءات الضريبية، وحل النزاعات التجارية واللاتي مازالت متأخرة مقارنة بدول مثل المغرب وتركيا، وهو ما يعرقل عمل القطاع الخاص، والمشكلة الثالثة تتعلق بغياب المنافسة الفعالة وضعف الكفاءة التشغيلية، والتي تتمثل في احتكار بعض القطاعات وتدخل الدولة الكثيف الذي يحد من نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويضعف الابتكار.

تعمل منهجية ومؤشرات التقرير الجديد على قياس نجاح بيئة الأعمال بالقدرة على تحويل التشريعات إلى خدمة عملية وسريعة، وهو ما لا يتحقق بمجرد سن قوانين أو إطلاق مبادرات دون متابعة التطبيق، وهو على عكس منهجية ومؤشرات تقرير سهولة الأعمال والذي كان يعمل على المشروعات المادية، والذي كانت مصر تحقق فيه مؤشرات مرتفعة نظراً لما حققته من نجاح في إنشاء وتطوير شبكات الطرق، ومشروعات الطاقة، والمدن الجديدة. كما أن الإصلاحات الضريبية التي جرت في مصر اتسمت غالبًا بزيادة الحصيلة أكثر من تسهيل الامتثال. هذا النهج قد يرفع الإيرادات مؤقتًا لكنه يضعف الثقة ويشجع الاقتصاد غير الرسمي على التوسع.

ولكي تتحسن مكانة مصر في التقارير الدولية، والأهم لكي يتحسن واقع بيئة الأعمال داخليًا، فإن الأولويات يجب أن تركز على تبسيط الإجراءات عبر الرقمنة الكاملة، والانتقال من مجرد بوابات إلكترونية إلى منظومة موحدة تسمح بإنهاء معظم معاملات الشركات (تأسيس، ضرائب، تسجيل أراضٍ) دون تدخل بشري مباشر.

بالإضافة إلى ضرورة إصلاح النظام الضريبي جذرياً، ليس فقط عبر تقليل عدد النماذج أو المواعيد، بل أيضًا عبر توسيع القاعدة الضريبية بدلًا من الضغط على القطاع المنظم، مع تقليل التقدير الجزافي للمأموريات، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز المنافسة وحماية السوق، ومنح جهاز حماية المنافسة سلطات أوسع وفعالة للحد من الممارسات الاحتكارية، وتشجيع دخول لاعبين جدد في القطاعات المسيطر عليها.

فضلاً عن ضرورة إصلاح اَليات فض المنازعات خاصة التجارية، وتسريع عملية رقمنة إجراءات التقاضي، وتشجيع التحكيم المؤسسي. والعمل على التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر تسهيل حصولها على التمويل، وتبسيط متطلبات التسجيل والترخيص، باعتبارها المحرك الرئيسي لخلق الوظائف.

إن نتائج تقريرBusiness Ready 2024  لا ينبغي أن تُقرأ  كإدانة لمصر، بل كجرس إنذار يسلّط الضوء على أن البنية التحتية الصلبة وحدها لا تكفي. المطلوب اليوم هو بنية مؤسسية مرنة وشفافة تسمح لرأس المال الخاص بالتحرك بحرية، وتمنح المستثمر ثقة في أن القواعد واضحة والتطبيق عادل. فبينما تشهد مصر جهودًا واسعة في البنية التحتية والطاقة، فإن تحسين بيئة الأعمال يتطلب نقل هذه الجهود إلى المستوى المؤسسي والتنفيذي، بما يضعها في موقع أكثر تنافسية إقليميًا ودوليًا.من دون ذلك، ستظل مصر في موقع متأخر إقليميًا، بينما تتقدم دول مثل السعودية والمغرب وتركيا بخطوات أسرع وأكثر اتساقًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.