مؤمن صفوت عبدالله يكتب | نبيل العربي.. أيقونة الدبلوماسية وصانع السلام

0

كان د.نبيل العربي واحدًا من أبرز الشخصيات المصرية التي ساهمت في تشكيل مسار الدبلوماسية والقانون الدولي على مدار عدة عقود. ولد في القاهرة عام 1935 في أسرة مثقفة، وكان من أوائل المصريين الذين ارتادوا مجال القانون الدولي بجدارة. بعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955، تابع دراسته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الدولي من جامعة نيويورك، مما ساعده على تطوير فهم عميق ومعاصر للقضايا القانونية العالمية.

بدأ د.نبيل العربي مسيرته المهنية في وزارة الخارجية المصرية في ستينيات القرن الماضي، وسرعان ما برز كدبلوماسي بارع قادر على التعامل مع أصعب الملفات الدولية. وكان من بين أولى مسؤولياته الهامة، مشاركته كعضو في الوفد المصري لمفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في أواخر السبعينيات. وقد كان له دور فعال في صياغة بعض البنود الأساسية في اتفاقية السلام التي وقعت عام 1979، وهو ما ساهم في تحقيق تحول كبير في العلاقات المصرية الإسرائيلية وفي السياسة الخارجية المصرية بشكل عام.

في عام 2001، حصل الدكتور نبيل العربي على فرصة أخرى لإبراز قدراته، حيث تم انتخابه قاضياً في محكمة العدل الدولية. خلال فترة عمله في المحكمة، عمل على قضايا دولية حساسة تتعلق بالنزاعات الحدودية، وحقوق الإنسان، والمسائل البيئية. وقد عُرف عنه تحليه بالنزاهة والاستقلالية في اتخاذ القرارات، وهو ما جعله يحظى باحترام واسع من قبل زملائه ومن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر، تولى الدكتور نبيل العربي منصب وزير الخارجية لفترة قصيرة، لكنه سرعان ما تم اختياره ليكون الأمين العام لجامعة الدول العربية في وقت حساس للغاية تمر به المنطقة. تولى هذا المنصب من 2011 حتى 2016، حيث كان عليه التعامل مع تداعيات الربيع العربي، والحروب الأهلية في سوريا وليبيا، والأزمة اليمنية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر.

رغم التحديات الهائلة التي واجهها، سعى الدكتور نبيل العربي إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية، وحاول بناء جسور بين الأطراف المتصارعة من خلال الدبلوماسية والحوار. كما ركز على أهمية إصلاح الجامعة العربية لتكون أكثر فاعلية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. بالإضافة إلى عمله الدبلوماسي، كان الدكتور نبيل العربي مهتماً بالتعليم ونشر المعرفة. قدم العديد من المحاضرات في الجامعات المصرية والدولية، وشارك في كتابة العديد من الكتب والمقالات التي تناولت مواضيع القانون الدولي والدبلوماسية. كما كان دائماً يدعو إلى احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون كشرط أساسي لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

بفقدان نبيل العربي، تفقد مصر والعالم العربي رجلًا من أعظم الرجال الذين كرسوا حياتهم لخدمة قضايا أمتهم ودعم العدالة في الساحة الدولية. لقد ترك بصمة لا تُمحى في مسيرة الدبلوماسية العربية والعالمية. نرجو من الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم عائلته وأحبائه الصبر والسلوان. سيظل إرثه باقياً، يُلهم الأجيال القادمة من الدبلوماسيين والقانونيين الذين سيتبعون خطاه في السعي نحو السلام والعدالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.