ماجد رشيد العويد يكتب | الألقاب والتسجيل الكاذب
عندما توفي الرسول الكريم، دعا “أبو بكر الصديق” بخليفة رسول الله. وعندما وافته المنية، وصار عمر الخليفة واختلف الناس في التسمية، تم الاتفاق على لقب “أمير المؤمنين” لكل الخلفاء. ولم يكن في هذا اللقب ما يدل على التبجيل، ولا على الخوف من الأمير طوال فترة الخلافة الراشدة. على العكس كان ينهض الأعرابي تكسوه ثيابه الممزقة، وربما تنفذ منه رائحة الترحال في الصحراء المترامية فتعطل من السامع القدرة على التمييز، ومع ذلك ينهض هذا الأعرابي ويتفوه على مسمع من الخليفة بكلام قاس، لو قيل مثله اليوم في وجه رجل أمن من الصغار لحُبِس بموجبه القائل متهماً بعظائم الأمور.
أما معاوية بن أبي سفيان فلقد أدرك بحسه “الملكي” أنه “أول الملوك وآخر الخلفاء” على حدّ قوله. أجل لقد ابتدأ هذا الرجل دورة جديدة من الحكم ألغت ما أسسه الرسول الكريم وخلفاؤه، ليصل فترته بما ذهب في الزمن من طغيان. وعبد الملك بن مروان عندما ولي الخلافة رأى أن مجرد النقد يدفع بالناقد إلى الموت بحد سيفه، وأما ابنه الوليد فيستغرب أن يحاكم الخليفة، وكأن هذا الأخير ليس بشراً بقدر ما هو إله وكيف للإله أن يحاكم؟! وعند إخواننا الشيعة على المذهب الجعفري أصحاب “الاثني عشرية” فقد عصموا من لا يُعصم، وقدسوا من لا قدسية له، وأسبغوا على التابعين منهم من الصفات ما له سحر، وأي سحر! من مثل فلان من “آيات الله” و”قدس الله سره” و”أدام الله ظله”، ونسي الجميع أنهم إنما يؤلبون عليهم بشراً مثلهم يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون، ولا ننسى بالطبع أن لكل مجتهد في العالم نصيب.
وأما خلفاء العصر العباسي، فتفننوا في صناعة الألقاب وإسباغها على ذواتهم، فأبدعوا لدى الجمهور خوفاً مزدوجاً لا فكاك منه، فمن جهة فالخليفة خليفة الله على الأرض، ومن جهة أخرى يثير اللقب في الناس رعباً يجعلهم يؤثرون البعد مع السلامة عن القرب من نار السلطان.
لا ضير أبداً من القول فلان عليه السلام أو فلان كائناً من كان عليه السلام فهذه من الآداب أكثر منها من التقديس، ولا ضير من إضفاء الألقاب فهذه أريد بها احترام الملقب. ولكن الجاري أن الألقاب مُنحت مع الزمن هالة من القداسة لم يعد معها ممكناً ولا مقدوراً خلعها بغير بناء تربية جديدة، على أسس سليمة ومعافاة من كل تبجيل مجاني لكل من هب ودب، بحيث يغدو الأمر ثوباً نرمي به إلى الأجساد العارية من كل قيمة، فنضفي بملء إرادتنا عليها من الوقار ما لا تستحقه.
هذا ما جرى مع الزمن فمن منا اليوم يجرؤ على مناداة ليس الرئيس أو الملك أو الأمير، بل من هو دون هؤلاء منزلة، بغير ألفاظ التبجيل والاحترام الزائد الكاذب. وأما ما يخص الرؤساء والملوك والأمراء، أصحاب السيادة والجلالة والسمو، المبجلين، المعظمين، إلى آخر هذه السلسلة من الألقاب التي قتلت في الدواخل كل إمكانية على النظرة الحيادية النقية الخلو من كل شائبة، أما هؤلاء فلقد صنعوا جداراً يفصل بينهم وبين شعوبهم، وصار عدم الوصول إليهم أمراً نافذاً، وحجاباً غير قابل للاختراق.