ماهر عدنان قنديل يكتب | هل تفلت كأس العالم من أيدي الكبار؟

0

ليس عنوان هذا المقال من الخيال أو بهرجة لجلب الانتباه قبل الموعد الكروي العالمي الذي بل تساؤلًا منطقيًا إلى حد كبير، فنحن اليوم أمام خارطة كروية متقاربة ومتساوية الى حد كبير على مستوى المنتخبات الوطنية. فبطولات المنتخبات عمومًا كالمونديال، وكوبا أمريكا، واليورو والكان والبقية لم تعد تشهد تلك الفوارق الشاسعة التي كنا نلاحظها خلال العقود الماضية بل بالعكس تمامًا أصبح من الصعب تحديد المتوج أو قائمة المرشحين للعب الأدوار الأولي قبل انطلاق أي بطولة للمنتخبات الوطنية، وهذا على عكس بطولات الأندية كالتشمبيوزليغ أو “الموندياليتو” التي بالإمكان مسبقًا تحديد مرشحيها بسهولة تامة نسبة لعولمة كرة القدم وتحول الأندية الكروية العالمية الكبرى إلى شركات عملاقة متعددة الجنسيات تصطاد الطيور النادرة من كل حدب وصوب عند كل ميركاتو صيفي أو شتوي. فإذا أخذنا على سبيل المثال، نادي كليفربول الانجليزي فهو لم يعد يحمل من الانجليز إلا اسمه ومقره، فمالكه أمريكي، ومدربه ألماني، وهجومه الذي يصنع أمجاده يقوده مصري وبرازيلي وسنغالي. وبالمثل بالنسبة لباريس أو الريال أو المان سيتي. في حين لا يمكن للاتحادات الوطنية المسؤولة عن هيكلة المنتخبات أن تضم إلا حاملي جنسيتها، وهو ما يعيق حتى أغنى دول العالم على استقدام لاعبين أجانب مميزين للمنتخبات، مكتفين أحيانًا بالاستعانة بالمدربين الأجانب فقط.

أما أسباب تقارب المستويات بين المنتخبات الوطنية خلال السنوات الأخيرة تعود بالدرجة الأولى إلى تحول كرة القدم لصناعة وتجارة مربحة تعتمد على إنتاج لاعبين محليين صغار السن بمبالغ معقولة ثم بيعها لمختلف دول العالم بمبالغ طائلة. وألهم هذا السوق الكروي المُربح عديد من الدول حول العالم حتى تلك الفقيرة منها في أقصى أقاصي أدغال إفريقيا للاستثمار في التكوين وإفتتاح مراكز بمواصفات دولية وتقنيات عالية تضاهي ما هو موجود عند أكبر الدول، ويمكن أن نستذكر هنا مراكز تكوين ساليف كيتا في مالي وأكاديمية ميموزا جان مارك غيلو في ساحل العاج، وجينيراسيون سبورت في السنغال..إلخ وهي المراكز التي تخرج منها صانعي أفراح أبرز النوادي الأوروبية اليوم كسيدو كيتا ويايا توري وساديو ماني وغيرهم..
دون إغفال أيضًا استفادة عدد من الدول (بالخصوص دول شمال افريقيا والشرق الأوسط كتركيا وإيران ولبنان) من لاعبيها المغتربين الذين تكونوا في أقوى وأكبر المراكز الكروية الأوروبية وأمريكا اللاتينية نسبة إلى هجراتهم المتتالية إليها منذ عقود لمختلف الأسباب السياسية والاجتماعية.
كل ذلك أدى إلى تشتت المراكز الكروية الكلاسيكية التي أعتدنا على تصدرها خارطة كرة القدم الدولية كالبرازيل والأرجنتين وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا..إلخ وبعثرة نتائج مراكز الإحصائيات قبيل المونديال لصالح دول أقل شأنًا كرويًا، فليس من الصدفة بشيء أن تتصدر الأوروجواي اليوم قائمة أخطر تنائي هجوم في المونديال (سواريز وكافاني) متقدمة بذلك على منتخبات عريقة هجوميًا كالبرازيل واسبانيا مثلًا. وليس عجبًا أن تسرق بلجيكا الأضواء من فرنسا وإسبانيا وألمانيا لتتصدر قائمة أخطر وسط ميدان في البطولة بتواجد ثري لنجوم لامعين كدي بروين وهازارد بالإضافة لكاراسكو وديمبيلي وتيليمان، وهو ما أدى بالمدرب مارتينيز لعدم استدعاء نجم بحجم نيغولان.
كما يمتلك (تقريبًا) كل منتخب مشارك بالمونديال ومهما بلغ حجمه في سوق الترشيحات والمراهنات نجما واحدًا على الأقل بإمكانه قلب الموازين وتغيير مجريات اللعب وصناعة المعجزات وهنا نذكر صلاح في مصر، وبن عطية وحكيمي في المغرب، وساديو ماني بالسنغال، وفهد المولد في السعودية، وجيمس رودريغيز في كولومبيا، دينيس تشيرشيف من روسيا، وموديريتش بكرواتيا، والخرزي في تونس، ورضا جهانبخش في إيران، وغيريرو في بيرو، وماركيز في المكسيك، وبودولسكي في بولندا، وشيردان شاكيري بسويسرا..إلخ
كما تؤكد النتائج في السنوات القليلة الماضية على ضيق الفوارق على مستوى المنتخبات، فمثلًا خلال اليورو الأخير لاحظنا تقاربًا كبيرًا في المستويات بين مختلف الفرق المشتركة، وشهدنا تفجير مفاجآت من العيار الثقيل بوصول منتخبات مغمورة كبلاد الغال ببلوغها نصف النهائي، وآيسلندا بإقصائها إنجلترا وبلوغها ربع النهاية.
ويبفى السؤال مطروحًا: هل سيفلت المونديال من أيدي الكبار؟ والجواب بعد الذي ذكرناه أن كل شيء ممكنًا. وحتى في حالة عدم إفلاته فإن الأكيد أن المفاجآت ستحضر بقوة، ومن يدري، قد نشهد بطلًا جديدًا ينهي احتكار بضعة منتخبات للبطولة منذ ما يقارب من قرنٍ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.