مجدى عبد الحميد السيد يكتب | العلم وكتابة التاريخ

0

بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الكثير من الدول الكبرى فى عمليات تطوير علمية لم تشمل العلم النظرى فقط بل تعدته لتصل إلى أجهزة القياس والفحص والتطبيقات العلمية ، ولكن العولمة منذ مطلع التسعينيات زادت من فرص التعاون بين الجامعات ليس على مستوى البلد الواحد بل على مستوى الجامعات حول العالم مما زاد من سرعة تطوير أجهزة القياس والتطبيقات العلمية وتنمية الاكتشافات والابتكار حول العالم . لقد كان اكتشاف أجهزة تقيس الزمن بالفمتوثانية فتحا فى تطوير دراسة المكونات الصغيرة فى الكائنات الحية والكون مثل العناصر والجزيئات والتفاعلات والتركيبات الجينية وغير ذلك ، ومع تلك الدراسات ومن النتائج الثانوية تأثر التاريخ القديم والمعاصر عبر تحليل وتفسير وتقييم عمر المخطوطات والنقوش والحفريات بدقة كبيرة. لقد بدأت التطورات العلمية بعد الحرب العالمية الثانية بدراسة عناصر تسمى النظائر المشعة وهى تتحلل كل فترة لمعرفة ما يتم بنواتج التفاعلات النووية بصورة أساسية ، ولكن وبصورة ثانوية تم اكتشاف الكربون المشع كربون 14 الموجود فى الطبيعة بنسبة ضئيلة وهو قابل للتحلل لأن الكربون العادى ١٢ يتواجد بنسبة كبيرة فى الكائنات الحية وقد تمكنت الأجهزة من قياس تحلل كربون 14 ومعرفة طريقة تحلله المنظمة طبقا لقاعدة تسمى فترة عمر النصف التى أمكن من خلالها تحليل متبقيات ما يدخل فيه الكربون فى الإنسان والحيوان والنبات سواء فى العظام او ألوان النقوش او الجلد المخصص للكتابة وكذلك الألواح الخشبية والقماش وغير ذلك من مكونات الكائنات الحية وبالتالى أمكن تحديد اعمار المخطوطات ومتبقيات الكائنات الحية والحفريات لعشرات الآلاف من السنوات بدقة كبيرة ، وهو ما فتح الباب أيضا كناتج ثانوى لدراسة التاريخ بطريقة علمية لا تعتمد على هوى ورؤى المؤرخ الذى قد يتأثر كثيرا بالتوجهات العقائدية والعرقية ، وتم تطبيق ذلك على كفن السيد المسيح المحفوظ بالفاتيكان فأنكر العلم قدم كفن السيد المسيح وأنه يعود لنفس عصر اكتشافه فى عصر النهضة وليس فى عصر مولد السيد المسيح هو والدم الموجود عليه. إن تطور الأجهزة العلمية امتد إلى أجهزة قد تفيد التاريخ مثل الميكروسكوب الالكترونى والتلسكوب الالكترونى لرصد حركات الذرات الصغيرة والاجرام السماوية الكبيرة ، ثم تطور العلم مع تقنيات تقيس الفمتوثانية لترصد التفاعلات الكيميائية والبيولوجية وبالتالى فتحت الباب لدراسة تركيب الجينات فى الخلايا الحية فتم دراسة التركيب الجينى للكثير من الكائنات الحية وكان ذلك بغرض أساسى وهو مكافحة الأمراض وكذلك لزيادة الانتاج وعمليات الهندسة الوراثية . الآن بدأت تطورات الجينات تداعب التاريخ أيضا لتشرح كيف تنقل الإنسان بين القارات وكيف حدث تزاوج وتطور للإنسان القديم والحديث الذى قد يخفى الفارق بين حفريات الإنسان والقردة العليا القديمة لتكون كلها انسان تزاوج وتطورت جيناته بالتزاوج عبر القارات القديمة. وبرغم أن هذه الدراسات فى بدايتها إلا أن ذلك سيفتح ذلك الباب لدراسات قادمة ستغير فكرة العلماء عن أصل الأنواع ونظرية التطور والانتخاب الطبيعى وكلها نظريات لم تكن تستند على حقائق علمية واضحة بل كانت تعتمد على مقارنات تشريحية يمكن دحضها بسهولة . إن منح جائزة نوبل عام 2022 فى ذلك الفرع من البيولوجيا سيفتح الباب لدخول العلم منطقة جديدة فى التاريخ بطريقة علمية تعتمد على أجهزة قياس متطورة يمكنها تحليل جينات الكائنات والحفريات القديمة جدا وليس مومياوات الفراعنة فقط والتى اعتمد عليها البحث كثيرا. إن دراسة التغيرات الجينية يمكن أن توضح مقارنات بين التركيب الجينى للفراعنة والتركيب الجينى للمصريين المعاصرين وهكذا فى الكثير من دول العالم . أما المنتظر القادم فهو تطور أجهزة قياس الأشعة وعلم الفيزياء أيضا التى يمكن الاستفادة منها فى التلسكوبات الإلكترونية العملاقة وايضا الميكروسكوبات الإلكترونية الفائقة الدقة مما قد يؤثر على نظريات نشأة الكون والنظريات الذرية المختلفة التى تفسر تكوين الذرة . إن تطور علوم الفضاء ووصول كل من الولايات المتحدة والصين لتحليل تربة المريخ لهو أمر سيغير أفكارنا عن الكون وعما يدور حولنا.
وللعلم فإن معظم الأبحاث العلمية لم يكن الغرض منها تاريخيا بصورة واضحة ولكنها لأغراض علمية بحتة للبحث عن مصادر جديدة للطاقة أو لمعرفة تطور مخ الإنسان وقابليته للإصابة بالأمراض للتغلب عليها وغير ذلك من الأغراض العلمية ولكن النتائج الثانوية لتطور أجهزة القياس العلمية قد تحدث تغييرا فى فهمنا للتاريخ أيضا وربما تجد تلك الأجهزة داعما اقتصاديا يوما ما فتقوم بإعادة كتابة التاريخ عبر دراسة الجينات والحفريات والمخطوطات فى العصور المختلفة.
إنها دعوة للجامعات والمراكز البحثية فى المنطقة العربية لزيادة وتيرة الدخول إلى عصر العولمة العلمية المتسارع التطور بدرجة فاقت الخيال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.