محمد أبو النور يكتب | الوسيلة الذهبية لبرنامج سكاني كفء

0

مع اقتراب عدد سكان مصر من 108 مليون نسمة، في ظل ارتفاع معدل النمو السكاني وفي ضوء تطلعات تنموية ضخمة، تبرز الحاجة إلى حلول غير تقليدية لإدارة الملف السكاني في مصر، وعندما نتكلم عن ضبط الملف السكاني فإننا نعنيه بمفهوم شامل، لا يقتصر على مجرد خفض معدل الزيادة، وانما يشمل أيضا تحسين الخصائص السكانية، والخلخلة السكانية وإعادة التوزيع الجغرافي، من اجل ضمان تحقيق إدارة فاعلة لملف السكان قادرة على مواكبة تطلعات التنمية، ولعل ملامح الخطة التنفيذية العاجلة للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030 تغطى الجوانب الثلاثة لإدارة برنامج سكاني فاعل يحقق خطط التنمية البشرية، ويدفع معدلات النمو الاقتصادي.
ولكن يظل يبرز التساؤل الملح عن اهم الاليات التي تمثل وسيلة ذهبية لإدارة برنامج سكاني أكثر فاعلية، ويأتي في مقدمة تلك الاليات تطبيق اللامركزية في إدارة البرنامج السكاني، وهو نهج أثبت فاعليته دوليًا في تحقيق التوازن بين الموارد والسكان.
تتميز مصر بتنوع ديموغرافي واجتماعي كبير بين محافظاتها، فبينما تصل معدلات الخصوبة في بعض قرى الصعيد إلى 4 أطفال لكل امرأة، تنخفض هذه المعدلات في المدن الكبرى، هنا تكمن أهمية اللامركزية، التي تتيح تخصيص الحلول لكل منطقة حسب احتياجاتها وخصوصيتها، زيادة الكفاءة عبر تقريب عملية صنع القرار من المواطن، تعزيز المشاركة المجتمعية.
ولعل نجاح تجربة أسوان مؤخرا في دمج البرامج السكانية مع السياحة الصحية محليا، ومن قبلها برنامج “أشا” (ASHA) Accredited Social Health Activist في الهند، وهو واحد من أنجح المبادرات في مجال الرعاية الصحية المجتمعية والذي تقوم فلسفته على اللامركزية المحلية، وغيرها من النماذج التي تؤكد على محورية اللامركزية في إدارة برامج سكانية أكثر فاعلية.
ورغم كثرة الحديث عن أهمية اللامركزية في إدارة البرنامج السكاني الا ان الواقع ما يزال بعيدا عن هذا الشكل المرجو، أحيانا لضعف التنسيق بين الجهات المركزية والمحلية، وأحيانا لنقص الكوادر المدربة في الأقاليم والأطراف، وأحيانا اخري لعدم وضوح الأدوار والصلاحيات كجزء من مشكلة نظام الحكم المحلي في مصر
لذلك فإننا نحتاج وبشكل عاجل لإعادة هيكلة فروع المجلس القومي للسكان في المحافظات ومنحها صلاحيات تنفيذية مع تفعيل دور المحافظات والوحدات المحلية في متابعة المؤشرات السكانية ووضع البرامج وتحديثها محليا لتحقيق اهداف الخطط المركزية مع توجيه الاستثمارات للمناطق ذات الأولوية، مثل محافظات الصعيد وربط التمويل بتحقيق اهداف البرنامج السكاني.
فاللامركزية أداة لتعزيز قدرة المجتمعات المحلية من تلبية احتياجات المواطنين بشكل أكثر فعالية والتوازن المناسب بين المركزية واللامركزية بما يضمن ان تؤدي الوزارات والهيئات المركزية
دورها بتطوير السياسات والقواعد، وكذلك تطوير القدرات المحلية المؤسسية ومن ثم منحها المسئولية عن تحقيق اهداف البرنامج السكاني لم يعد رفاهية، بل ضرورة حتمية لمصر، ونجاح هذا النموذج يتطلب إرادة وثقافة حكومية حقيقية، وتمويلًا مداراً يركز على النتائج.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.