محمد ابراهيم بسيوني يكتب | عباس العقاد وعُمر الإنسان

0

قال الأستاذ عباس العقاد رحمة الله عليه “إذا فاجأني الموت في وقت من الأوقات، فإنني أصافحه ولا أخافه، بقدر ما أخاف المرض، فالمرض ألم مذل لا يحتمل، لكن الموت ينهى كل شيء”.

فإذا قيل ان الثلاثين سن التحصيل، وان الأربعين سن جمع الثروة، فالذي يقال في الخمسين إنها سن التصفية وعمل الحساب ليعرف الإنسان نصيبه من الربح ونصيبه من الخسارة. هكذا كان الأستاذ عباس محمود العقاد يري سن الخمسين حين بلغها.

وبدأ يستعد للنهاية لكن الله أطال في عمره وبلغ سن الستين، فكتب مقالا بعنوان وحى الستين قال فيه انه ليس من عادته إحياء ذكري الميلاد أو عيد الميلاد، لكنه وجد ان أصحابه الذين يعرفون تاريخ ميلاده كتب بعضهم في الصحف مهنئا بهذه المناسبة، وثارت في ذهنه أسئلة كثيرة كلها تدور حول فكرة واحدة هي ان الستين نقطة تحول يكون للإنسان بعدها شأن غير شأنه قبل بلوغها. ولكنه يعود في نفس المقال ليقول “ان الستين لم تكن فى حياتى نقطة تحول بين عهدين أو بين عمرين ولكنني إذا نظرت إلي الفترة التي تمت بها الستون والفترة التي تمت بها الخمسون مثلا فهناك بعض الاختلاف بين الفترتين، ومثال ذلك انني قد زادت قدرتي علي البحث والدراسة ونقصت قدرتي علي مواصلة الكتابة والقراءة، ولكني عوضت هذا النقص بازدياد المران علي الكتابة وازدياد الخبرة بالتقاط أصعب الفوائد من أيسر القراءات، زادت حماستي لما اعتقد من الآراء ونقصت حدتي في المخاصمة عليها لقلة المبالاة بإقناع من لا يذعن للرأي والدليل.

لم تنقص رغبتي في طيبات الحياة ولكنني اكتسبت صبرا علي ترك ما لابد من تركه، وعلما بما يفيد من السعي في تحصيل المطالب وما لا يفيد، وارتفع عندي مقياس الجمال فما كان يعجبني قبل عشر سنين لا يعجبني الآن، فلست اشتهي منه أكثر مما أطيق. كنت قبل عشرين سنة كما انا الآن قليل الرجاء في خير بني الإنسان”.

وأطال الله عمر كاتبنا الكبير حتي كتب مقاله الشهير وحي السبعين قال فيه “نحمد من السبعين انها تعطينا الرغبة علي قدر الطاقة وانها تعطينا الرغبة ومعها لجامها الصغير، ونحمد منها انها تعودنا الاستغناء عما يلزم وما لا يلزم، فليس في السبعين من ضروري لا غني عنه حتي الحياة وحتي المجد وحتي الخلود ولئن تمنيت شيئا بعد السبعين لأتمنين ان أعيش فلا أعيش عبئا، ولا فضولا، وان أعيش كما عشت بحمد الله علي الدوام، أحقابا وأحقابا إلي الأمام فيقول الناس اليوم ما كنت أقوله قبل عشرات الأعوام فذلك هو العمر الذي احتسبه سلفا وأعيشه قبل حينه فلا يكلفني انتظاره إلي الختام.

ماذا لو عاش الأستاذ عباس محمود العقاد إلي الثمانين، هل كان سيكتب وحى الثمانين أم ان الشيخوخة كانت ستمنعه من ذلك؟؟؟

هو نفسه أجاب حين سئل: وأين خرف الشيخوخة؟؟؟

بأن كثيرين قبله أجابوا “ان الذين حسبوا ان الخرف والشيخوخة حالتان متلازمتان بقية من بقايا القرون الغابرة لان العلم الحديث يعلم ان خرف الشيخوخة مرض من أمراض البنية وليس بعرض من أعراض الاسنان والأعمار فمن نجا من جراثيمه نجا من أعراضه كما ينجو من الإمراض وكما ينجو من الجراثيم”. والحقيقة ان العقاد ظل لآخر لحظة في عمره يفكر ويكتب ولم يقل له أحد حتي من معارضيه انك كبرت وخرفت، التى يقولها كثيرون الان لكبار مفكرينا لمجرد انهم اتخذوا موقفا سياسيا مختلفا عن موقفهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.