محمد البري يكتب | تحويل العلوم الإنسانية لعلوم إنتاجية

0

رغم أن التعليم الجامعي في مصر يعطي أهمية للفنون والعلوم الإنسانية (حوالي 20% من حجم الخريجين) ورغم ذلك جاءت مصر في المرتبة 87 عالميًا من بين 133دولة في  حجم الصادرات الثقافية (%من جملة الصادرات)، لقد كان تقارب الثقافتين واحدًا من أهم أسباب التقدم المذهل الذي نشهده اليوم في كل المجالات، فعلي الحدود المشتركة بين “علوم الطبيعيات” من رياضيات وفيزياء وكيمياء وبيولوجيا وغيرهم، و”علوم الانسانيات” من فلسفة وأدب وعلم نفس واقتصاد وإدارة واجتماع وغيرهم، تقع الأرض التي أثمرت أغلب انجازات الانسان الفكرية والتكنولوجية في النصف الثاني من القرن العشرين والتي غيرت من نمط حياته المادي والمعنوي تغيرا جذريا غير مسبوق. فمن هذه الأرض جاء على سبيل المثال “الذكاء الاصطناعي” وليدًا لتزاوج علم النفس وعلوم اللغة والمنطق والفلسفة مع علوم الحاسب المختلفة بينما دراسة العلوم الإنسانية بشكل منفرد منعزلة عن البرامج الحديثة والعلوم الأخرى ليس لها عائد ثقافي او اقتصادي وتكفي مكتبة الجامعة أن تحقق هذه المهمة كما يقول الدكتور ذكي نجيب محمود أن المكتبة هي المعمل الحقيقي لدراسة العلوم الإنسانية وليست المدرج لأنها قائمة علي التعلم الذاتي في المقام الأول و تساعد علي حرية البحث لا الحفظ والتكرار وتدريب الطالب علي التفكير النقدي واستخلاص النتائج كما أن خلق الطالب المثقف مسؤولية الجامعة لكافة التخصصات وليست لطلاب العلوم الإنسانية فقط  لذا فتطبيق التخصص الثنائي خطوة هامة لابد من إعادة النظر في تطبيقها أن يكون لكل جامعي تخصصين: تخصص رئيسي “عملي” وآخر ثانوي “نظري” حتي تخلق عقلية متزنة قادرة على العطاء والتأقلم مع وظائف المستقبل والسوق العالمي.

من هنا فطالب الطبيعيات يلزم أن يكون مثقف بعلوم الانسانيات لأن في الاصل معظم بل كل انتاج علوم الطبيعيات والتكنولوجيات هو في الأساس الجوهري لخدمة منتجات ثقافة الانسانيات: ويؤكد تقرير نشر في” UN Trade and Development”  “ان برامج الذكاء الاصطناعي أصبحت ضرورة لتسويق منتجات العلوم الإنسانية والثقافية وأن البرمجة هي لغة العصر ويجب ان يتقنها اكبر عدد من الخريجين مهما كان تخصصه فهي لم تكن الهدف وانما أصبحت وسيلة لنقل المعارف والعلوم والثقافات ومازال امام الجامعة المصرية تحدي كبير لإذابة تلك الفوارق . على سبيل المثال تطور علم كالجغرافيا في الجامعات العالمية تطور مذهل فأصبح هناك ما يسمي “البرمجة المكانية بلغات متعددة وخرائط رقمية عالية الدقة” حتى أصبح من العلوم المتداخلة وتلك هي ثقافة العلوم الحديثة والتي تنفتح على العلوم الأخرى لتحقيق أكبر استفادة.

ضعف الاقتصاد الإبداعي “الثقافي” في مصر يرجع الي انفصال شبه التام بين منتجات العلوم الإنسانية والأدبية عن تقنيات التكنولوجيات “الذكاء الاصطناعي وبرامجه “حيث ارتفعت الصادرات العالمية من الخدمات الإبداعية الي 1.4 تريليون دولار، ورغم ان مصر تمتلك أكبر رصيد ثقافي وتراثي في العالم فمازالت صادراتها الإبداعية متواضعة علي سبيل المثال فتقنيات الذكاء الاصطناعي قد تحول علم كلاسيكي كالتاريخ ليس له علاقة بالإنتاج الي علم منتج اذا تم تسويق المحتوي التاريخي في مجالات إبداعية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، كذلك دراسة علم كالفلسفة بشكل منعزل والذي يدرس في كليات الآداب الآن ليس له من وجهة نظري أي قيمة نفعية فالفلسفة تدرس في الأصل ليستخدمها الباحث كمنهج أو طريقة تفكير لفهم العلوم  الأخرى ” فلسفة العلوم ” وفي الحقيقة ان التفوق في المجالات الأدبية والثقافية دون تقدم تكنولوجي يجعل من دراسة العلوم الأدبية والإنسانية دراسة خاسرة من الناحية الاقتصادية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.