محمد السباعي يكتب | في زحام النعم

0

سألت صديقًا ذات مرة عن أحواله وكان الرد: الحمد لله،” فِي زِحَامٍ مِن النِّعَمِ “، وتوقفت عند تلك الجملة وتفكرت كثير هل نحن مدركون حقا لكم النعم والعطايا المحاطون بها ؟
هل ندركها ونراها ونشعر بها ونؤمن بوجودها ؟
وعلى الرغم أننا كمصريون نتميز بترديد كلمة الحمد لله باستمرار بل أكاد أجزم أن هذا المفهوم يترسخ داخلنا، فما أن تسأل أحدنا عن أحواله أو عمله أو ظروفه المعيشية إلا ويكون الرد الحمد لله – بغض النظر عن طريقة نطقها – فيتمتمها البعض كمجرد كلمة حمد وكأنها شكوى، والبعض يتبعها بجملة “الذي لا يحمد على مكروه سواه” ، والبعض يجيب بكامل الرضا والقناعة “الحمد لله ، في زحام من النعم”.
ويدفعنا هذا للسؤال هل ندرك مفهوم الحمد والشكر والعرفان لله ، وهل ندرك أن هناك أمور كُثُر ما منعها الله عنا إلا لحكمة ولخير كثير وما حرمنا إلا ليعطينا
بعضنا يردد تلك الكلمة وقد لا تتجاوز ألسنتنا دون المرور على قلوبنا وعقولنا وكثيرا ما نتناسي نعما جمة أنعم الله علينا بها ونقف عند رغبات وآمال وأمنيات بل وإحتياجات لم تتحقق وننظر لها بمنظورنا الضيق القاصر دون إدراك أن هناك حكمة أكبر وأعظم، ولما لا والانسان قد جُبِل على الالتفاف إلي ماليس عنده، والانشغال بما لدى الآخرين، تراه يتحسر على ماليس له حق فيه… يراقب ما عند الناس ويعمى عما عنده، يضيع عمره حسراتٍ في حين كان أولى به أن ينشغل بالشكر على ما وهبه الله من نعم.
وهنا تكمن قيمة التنشئة على الحمد وشكر النعمة بمفهوم أوسع وأشمل
وأرى أن الأمر يكمن في مفهوم الثقة ، إذا ما لا حظنا أثناء مداعبتنا لطفل صغير وقذفه للأعلى فإنه ينظر لنا ويضحك لثقته في أننا سنمسكه ولن نسقطه أو نفلته
ولله المثل الأعلى هل يراودنا شك بأن الله يُسيَّرنا للخير
وقال تعالى ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ ويكمن شكر النعمة في الحديث بها مع أنفسنا وإدراكها وتقديرها خير تقدير دون كلل أو ملل ،فبعضنا لا يستشعر النعم إلا حين تُنْزع منه، وبعضنا يعيش حياته كلها وهو يستشعر كل نعمة هو فيها مهما كانت قليلة أو ضئيلة؛ نعم من أصعب التحديات هو تحدى الفقد أن تفقد أمل أو حلم والأصعب هو أن تفقد عزيز والأصعب والأصعب أن تفقده وهو على قيد الحياه ولكنها الدنيا كلما صبرنا عليها وعلى إبتلاءاتها كلما كان العطاء من الله في الدنيا وفى الأخرة.
فلنشكر الله على عطاياه ونعمه وكرمه الواسع علينا ولنشكره تعالى على الستر والصحة
ونعمة التوبة والرجوع إليه وإدراك الذنب والإستغفار عنه وكفي بها نعمة ولنحسن الظن بالله.
اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، واغْمرْنَا بِنعْمَة الشُّكْر قَبْل نعْمَة النَّعِيم، فَإنَّك إنْ رَزقْتَنا الشُّكر رَزقْتَنا النَعِيمَ كُله، وصِرْنَا فِي زِحَامٍ مِن النِّعَمِ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.