إن اليوم، يهل علينا الذكري ٥٢ من إنتصار يوم العاشر من رمضان، حيث أننا نستلهم جميعا روح أبطال حرب أكتوبر ولحظات العبور العظيم وخداع العدو، فهناك عنصر استراتيجي خفي، ساهم في حسم المعركة لصالح مصر، قبيل بدأ
الحرب، ألا وهي استخدام “اللغة النوبية” في الاتصالات العسكرية، كشفرة ما جعلها سلاحًا سريًا أربك العدو، وأكد أن الهوية والتراث قد يحولان لحظات الهزيمة والانكسار إلى الانتصار في معركة المصير.
وإنّ يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م، لم يكن مجرد مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل، بل كانت حربا متعددة الأقطاب، حيث
لعبت فيها الدبلوماسية، والاستراتيجية، تارةً واللغة النوبية تارةً أخري في تحقيق النصر، حيث الهوية والثقافة لعبتا
دورًا محوريًا، لتحقبق هذا الانتصار الساحق، فقد استخدم سلاح الإشارة اللغة النوبية في بدأ الحرب بكلمة “سا آوي
أوشريا”، أي إضرب في الساعة الثانية، فكانت هذه نقطة تحول في الاستراتيجية العسكرية المصرية وحققت بها القوات
الجوية في طلعتها الأولي ٩٠٪ من أهدافها في استهداف مواقع العدو، ونسفها بقيادة
”اللواء طيار حسني مبارك” آن ذاك، وبعدها قامت قوات الدفاع الجوي بسحق طائرات العدو والقضاء علي أسطورة الجندي الإسرائيلي وعبور خط بارليڤ المنيع، الذي لا يقهر وتقهقر العدو ورفع رايات الهزيمة والانكسار، ورفعنا نحن
رايات النصر بكل جسارة واعتزاز، قد رسخ في ذهن القيادة المصرية آنذاك بأن النصر لن يكون حليفاً لنا إلا من
خلال إستخدام جميع الأدوات بدايةً من إعادة بناء الجيش المصري، عقب نكسة عام ١٩٦٧م، ووضع خطط الخداع الاستراتيجي، وهنا تم المزج بين المناورة السياسية والقوي العسكرية في الوقت ذاته، فنجحنا في حشد الدعم العربي، وتأمين الغطاء السياسي والاقتصادي للحرب، ما جعل يوم السادس من أكتوبر لا يأتي فقط كعملية عسكرية، بل كجزء من استراتيجية متكاملة اعتمدت على القوة، والخداع، والتحالفات، وحتى اللغة التي أربكت أعتى الأجهزة الاستخباراتية آنذاك لأن “النوبية” تنطق ولا تكتب، ما جعلهم من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم وهم
لا يبصرون، ونزلنا عليهم كالعاديات ضبحا، وأغرنا عليهم بطائراتنا صبحاً كطيرٍ أبابيل تقصفهم صواريخنا وكانّها حجارة من سجيل، فجعلناهم كعصف مأكول، فأصبح الصهاينة بمواقعهم جاثمين، فكل هذه التكتيكات، جعلت الجيش
المصري متفوقا على العدو ويسبقه بخطوات، وبعد انتهاء المعركة لم يكن النصر فقط عسكريًا، بل كان دبلوماسيا واستراتيجيًا أيضًا، فقد نجحت مصر في تحويل الإنجاز الميداني إلى مكاسب سياسية عبر اتفاقيات فك الاشتباك،
واستعادة الأراضي المحتلة، وصولًا إلى اتفاقية السلام التي أعادت سيناء كاملة، ولكن خلف كل تلك الأحداث، يبقى دور “اللغة النوبية” واحدًا من الأسرار التي ساهمت في صنع هذا الظفر.
لقد أثبتت الحرب أن “الهوية الثقافية”، ليست مجرد تراث، بل قد تصبح سلاحًا حاسمًا في لحظات المصير عاشت مصر متعددة بثقافاتها وهوياتها مستلهمين جميعا روح أبطال جيل أكتوبر في كل ذكري لهذه الملحمة، التي دونتها صفحات التاريخ بحروف من نور، فرحم الله كل من شاركوا في هذه الملحمة وطيب الله ثراهم.