محمد الكاشف يكتب | يوم النوبة العالمي.. ذاكرة وهوية لا تنسى

0

إن في السابع من يوليو من كل عام، يحتفل النوبيون في مصر والسودان في شتي بقاع الأرض بـ ‌‌يوم النوبة العالمي‍‍،‌
ذلك اليوم الذي لا يُعبّر فقط عن تاريخ، بل عن ‌‌هويةٍ ممتدة، وذاكرة جماعية، وثقافة ضاربة في عمق النيل‌
والزمن‌‌.
هو أكثر من مناسبة، هو ‌‌صوت حضارة‌ قاومت التهجير والنسيان، وظلت تنبض بالحياة في تفاصيل الناس والمكان،‌
من أغنية في أفراح الزفاف، إلى دمعة في وداع الأحباب، ومن أسطورة إلى نضال حقيقي من أجل الاعتراف‌
والتمكين.

ما معنى النوبة؟

“نوبة” كلمة مشتقة من الجذر المصري القديم ‌‌“نوب”‌‌، أي ‌‌الذهب‍‍، لأن هذه الأرض الغنية كانت موطنًا لمناجم‌
الذهب في عهد الفراعنة. لكن المعنى أعمق من مجرد مادة؛ فالنوبة هي الذهب الإنساني والثقافي والروحي الذي لم‌
يبهت بمرور الزمن، بل ازداد بريقًا في قلوب أهلها وفي صفحات التاريخ.

‌‌٧‌ يوليو… ذاكرة ورمز..

جاءت فكرة تخصيص هذا اليوم على يد ‌‌الدكتور كمال حسن إدريس‍‍، المفكر والدبلوماسي السوداني، الذي دعا في‌
٢٠٠٤‌‌إلى اعتماد يوم عالمي يحتفي بالنوبة وشعبها، بعد قرون من التهميش المتعمد.
لم يكن اختيار ‌‌الرقم ‌‌٧‌‌عبثًا، فهو رقم مقدّس في الثقافة النوبية:
‍•‍ ‌٧‌‌أيام‌ لأفراح الزفاف.
‍•‍ ‌٧‌ أيام‌ لاحتفال السبوع بالمولود.
‍•‍ ‌٧‌‌أيام‌ في مراسم الحزن والعزاء.
‍•‍ ‍ويوليو هو شهر ‌‌التهجير القاسي‌ الذي غيّر ملامح النوبة إلى الأبد.

فكان ‌‌٧/٧‌‌يومًا يختزل ‌‌الدورة النوبية الكاملة: الفرح، الولادة، الحزن، والفقد… ثم البعث من جديد‌‌.

حضارة ممتدة من كوش إلى القاهرة..
منذ آلاف السنين، كانت النوبة مملكة عظيمة مستقلة، عُرفت تاريخيًا باسم ‌‌“كوش”‌‌، وكانت أحيانًا تغزو مصر‌
وأحيانًا تتحالف معها. كانت موطنًا لملوك، وكهنة، ومبدعين، ومحاربين…
واليوم، لا تزال هذه الجذور حيّة، تعبّر عن نفسها في الموسيقى، في اللغة، في الوجدان، وفي الوعي المتزايد بأهمية‌
الهوية النوبية كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية المصرية والسودانية‌‌.

النوبة وتاريخ من التضحية..
رغم ما مرّت به من تهجير في أعوام ‌‌١٩٠٢‌‌، ‌‌١٩١٢‌‌، ‌‌١٩٣٣‌‌، وأخطرها عام ‌‌١٩٦٣‌ م بعد بناء السد العالي، لم تتخلَّ‌
النوبة عن الوطن.
بل في لحظات الحرب، كانت ‌‌السند الصامت للجيش المصري‍‍…

اللغة النوبية… شفرة حرب أكتوبر
في واحدة من أنبل لحظات العطاء الوطني، استخدمت القوات المسلحة المصرية ‌‌اللغة النوبية كلغة سرية‌ في‌
الاتصالات بين الوحدات العسكرية خلال حرب أكتوبر‌

١٩٧٣‌‌م، لأن العدو لا يعرفها ولا يملك وسيلة لفكّها.
كانت الشفرة النوبيّة جزءًا من نصر أكتوبر، وأحد أسرار تفوق القيادة المصرية على عدوها بفكرة الراحل‌
“أحمد إدريس”.‌

رموز نوبية خالدة في التاريخ

‍•‍ ‍اللواء محمد نجيب‌‌: أول رئيس لجمهورية مصر، ذو جذور نوبية أصيلة.
‍•‍ ‍المشير محمد حسين طنطاوي‌‌: قائد مصر بعد ثورة ‌‌٢٥‌ يناير، ابن قرية أبوسمبل .
•أحمد إدريس : صاحب فكرة الشفرة النوبية بحرب أكتوبر .‌
‍•‍ ‍أحمد منيب‌‌: الأب الروحي للموسيقى النوبية الحديثة.
‍•‍ ‍حجاج أدول‌‌: أديب ومثقف نوبي، صوته صارخ من أجل الحقوق الثقافية.
‍•‍ ‍عادل منيب‌‌: عضو تنسيقية شباب الأحزاب، ممثل لجيل شاب يدمج الهوية النوبية بالرؤية‌
الوطنية.
‍•‍ ‍محمد الكاشف‌‌: عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ، وصاحب مبادرة ‌‌أول زيارة‌
رسمية للنوبة بعد‌‌ ‌‌تهميش قد دام لأكثر من ‌50 عامًا من ‌‌،والتي تلتها مباشرة إدراج قرى النوبة في ‌‌المبادرة‌
الرئاسية “حياة كريمة”‌‌. كما كان أول من دعا علنًا، خلال ‌‌صالون‌‌ ‌‌التنسيقية إبان الحوار الوطني ‌‌إلى‌
اعتراف وزارة الثقافة باليوبيل الذهبي النوبي‌ و”‌7 يوليو” كيوم رسمي للنوبة، وهو يأمل بأن يتحقق لاحقًا.‌

من‌ التهميش إلى التمكين..

تعيش النوبة اليوم ‌‌صحوة جديدة‍‍، في حضرة الجمهورية الجديدة في عهد الزعيم “عبدالفتاح السيسي” حيث تفرض‌
فيها وجودها الثقافي والسياسي والدستوري. لا من باب العزلة، بل من باب ‌‌الاعتراف بأن مصر لن تكون كاملة بدون‌
نوبتها‍‍، وبأن التنمية الحقيقية لا تُبنى إلا باحتواء الهويات المتنوعة التي تتكوّن منها الشخصية الوطنية
من خلال حل أزمة إجتماعية كان يعاني منها النوبيون عقب التهجير بعام ‌‌١٩٦٤‌ م إبان بناء مشروع السد العالي‌
الضخم‌
وختاماً ..‌
إن النوبة ليست ضحية التاريخ، بل صانعته.
وليست تراثًا فقط، بل ‌‌مستقبلًا يُكتب الآن‌‌.
ويوم ‌‌٧‌ يوليو هو ‌‌الذهب الذي لا يصدأ‍‍… هو النداء الذي يقول للعالم “هنا النوبة… حيث الذاكرة لا تُنسى، والهوية‌
لا التي لا تموت .

‌عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.