مباديء حب الوطن: الأصلان العظيمان “ديارنا وأبناؤنا”.
الاعتزاز بالشعب ومصالحه وحضارته والأرض، أمنها وخيرها، هما من الأساسيات البديهية للوطنية، وتلك المباديء، تتسق مع آيات القرآن.
يدعي بعض أعداء الوطن والانتماء القومي له أن الإسلام، يتعارض مع فكرة القومية ومحبة الأوطان والاعتزاز بالحضارات والتاريخ، وذلك الادعاء لا يصح أبدا، لأن الوطنية لا تتعارض مع محبة كل البشر في كل العالم، بل وتسعى القومية لخدمة كل البشر.
القومية، لا تعني كراهية الأوطان الأخرى، بل إعلاء مصلحة أهل وطنك فوق كل المصالح، وبما لا يضر الغير “لا ضرر ولا ضرار”.
مباديء القومية ببساطة تتفق مع آيات القرآن الكريم،
المبدأ الأول: تحقيق الأمان والسلام والرخاء للشعب، “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ”، دعا سيدنا إبراهيم أن يرزق الله بلده بالأمن والرزق، ليعم الخير، ويعمل الوطني القومي المعاصر علي تحقيق هذا الهدف بالمشروعات الزراعية، وتطوير قدرات الجيش الدفاعية، وأقسم الله بأشياء كثيرة، مثل “والسماء والطارق”، ومثل “لَا أُقْسِمُ بِهَـذَا الْبَلَدِ* وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـذَا الْبَلَدِ”. [البلد، آية: 1-2]، و”لإيلاف قريش” أيضا، وكل تلك الآيات تعظم من شأن البلاد، والتبادل التجاري والعلاقات السياسية، فالبلد هو المكان، الذي يضم الجماعات البشرية وأمان البلاد، يحقق الأمان الفردي للأفراد واستقلالية البلاد تحقق بالضرورة حياة أفضل ومستقلة للأفراد.
المبدأ الثاني: الاعتزاز بالأرض، وكراهية الخروج منها، والقتال دفاعا عنها.
ونجد في الحديث الصحيح أن الدفاع عن الأرض والعرض والمال والأهل من أسباب نيل الشهادة، ودخول الجنة “من مات دون أرضه فهو شهيد”.
ومن الآيات القرانية نجد الآتي: ” قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ”. [البقرة، آية: 246].
فالسبب الأول للقتال، هو الدفاع عن النفس، والاعتزاز بالأرض والأهل، “ديارنا وأبناؤنا”.
وديارنا تشمل بيوتنا وبيوت أجدادنا وحضارتنا ومسلاتنا وأهراماتنا ومعابدنا ومساجدنا وكنائسنا وغيرها، أما أبناؤنا فهم عائلاتنا، وكل أهالي ديارنا، بلا تفرقة أو عنصرية.
والميثاق الألهي وقانونه، هو عدم الاعتداء، وحفظ الحقوق والدماء المسالمة وعدم الخروج من الأرض، لأن البناء هو صلب وجوهر الوجود الإنساني علي الأرض كخليفة للخالق في الدنيا، “الاستقرار”.
“وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ”. [البقرة، آية: 84].
فإذا خرجنا من ديارنا، فمن يعمرها، ومن يحميها، ومن يساعد أهلها؟
وتلك الآيات لا تحرم السفر للخارج للتعلم أو العلاج أو للعمل، ولكنها تشجع كل إنسان على خدمة أرضه وقطره، وإقليمه ليعم الخير في كل مكان.
ومحبة الأرض، سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء في السيرة النبوية الشريفة، أنّ أمر ترك مكّة المكّرمة، كان صعبا وشديدا على نفس الرسول، والهجرة منّها، كانت مشكلة اشتدت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزل قوله تعالى، ليطمئن قلب النبي، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ”، فحتى من يهاجر للتعلم أو العمل يتمني أن يخدم بلده عند العودة وللقاء الأهل واسترجاع الذكريات.
وفي عصرنا نجد الآن الدكتور مجدي يعقوب، اسطورة جراحات القلب، الذي عاش في بريطانيا عشرات السنوات، ثم رجع لمصر، لينقل إليها أحدث الخبرات الطبية الحديثة لخدمة المصريين، فلو سنحت لك الفرصة لخدمة بلدك من داخلها أو خارجها فافعل ذلك، لأنك تعتز بالأصلين العظيمين، “الشعب والأرض”.
وجاء في حديث رسول الله عندما خرج من مكّة مهاجرًا أنّه قال من شدّة محبته وتعلقه بها: “ما أطيبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأحبَّكِ إليَّ ولولا أنَّ قومي أخرجوني مِنكِ ما سكنتُ غيرَكِ”.
تأمل قول الرسول: “ما سكنت غيرك”. لأن الرسول الكريم، نشأ في بلده وبالتالي أحبها، وتمني أن لا يخرج منها، وعاد إليها في فتح مكة، فهي أحب البلاد اليه لأنه عاش مع أهلها وعلى أرضها، وبالتالي كان الرسول مؤمنا وممارسا للوطنية، ومدركا لقيمة الأوطان.