محمد المليجي يكتب | المتحف.. مصر تبني المستقبل

0

 دعوة الخلود وإبهار الحاضر من أرض الكنانة﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾ (سورة البقرة، الآية 61) – ليست دعوة للنزول إلى أي مدينة، بل هي إعلان عن كنز لا يفنى؛ فمن يبحث عن جذور العظمة، عن دليل على إعجاز إنساني خالد، وعن نقطة انطلاق للمستقبل، سيجد الإجابة كاملة غير منقوصة في أرض مصر. اليوم، يقف المتحف المصري الكبير (GEM) شامخاً كأحدث تجسيد لهذا الوعد.المتحف المصري، بكنوزه التي لا تُحصى، ليس مجرد مستودع للحجارة والبرديات، بل هو تجسيد حي لمدى تفوق الحضارة المصرية القديمة في مختلف الميادين. ففي الوقت الذي كان فيه العالم لا يزال يتلمس خطواته الأولى، كانت مصر تقيم صروحاً هندسية تُدهش العقول، وتمارس الطب والجراحة بدقة متناهية، وتضع أسس الفن والعمارة التي ما زالت تُدرّس.إن كل قطعة أثرية هنا هي برهان على أن “ما سألتم” من تقدم في العلوم والآداب قد تحقق على هذه الأرض. هذا الإرث العظيم هو ما يمنح مصر حقها في أن تفتخر بمجدها الذي صار مرجعاً لكل من يسعى إلى التفوق والخلود.لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثاً عابراً، بل كان احتفالية عالمية أسطورية، تُوّج بها العمل الدؤوب لسنوات طويلة. لقد كان حفل الافتتاح بمثابة رسالة بصرية مبهرة إلى العالم، أثبتت أن مصر قادرة على إحياء عظمة الماضي بروح وتقنيات الحاضر.لقد استقبلت أرض الجيزة، بجوار الأهرامات الشاهدة على العصر، ملوكاً، ورؤساء، ووفوداً رسمية تجاوزت السبعين، ما عكس ثقل هذا الحدث على الخارطة الثقافية العالمية. هذا الحضور الرفيع، جنباً إلى جنب مع العروض الفنية المبتكرة، والموسيقى المصاحبة (موسيقى من أجل الإنسانية)، والتقنيات البصرية الحديثة، جسّد الفخر الوطني في أبهى صوره. لقد كانت لحظات فخر، أكدت أن مصر لم تعد تكتفي بسرد التاريخ، بل صارت تصنع الحدث وتُبهر به الكوكب.إن المتحف المصري الكبير، ونجاح حفل افتتاحه، يمثلان بوضوح نقطة التقاء بين الماضي العظيم والمستقبل الطموح. هذا الصرح الضخم، الذي يضم مجموعة توت عنخ آمون الكاملة لأول مرة، ليس مجرد وجهة سياحية، بل هو مركز للإشعاع الثقافي والمعرفي.الاحتفال بهذا الإنجاز الضخم هو تأكيد على أن مصر تستخدم إرثها كـوقود لدفع حركتها التنموية؛ فالفخر بعظمة الأمس يتحول إلى طاقة عمل لبناء الغد. إنها دعوة للأجيال الجديدة لاستشراف المستقبل بعزيمة أجدادهم، وإثبات أن مصر، التي كانت منارة العالم، تعود اليوم لتبني “ما سألتم” من تقدم في كل ميدان.الخلاصة: المتحف المصري الكبير هو شهادة على أن مصر لم تخلف وعدها: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾؛ فكل ما يُسأل من مجد، وحضارة، وفن، وتقدم، تجسد بالأمس في القطع الأثرية، وباليوم في حفل الافتتاح الأسطوري، وسيتجسد غداً في ريادة الأمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.