محمد حوام يكتب | حرب الاستنزاف.. معركة الإرادة المصرية

0

لم تكن حرب الاستنزاف مجرد فترة قتال متقطع بين مصر وإسرائيل بعد هزيمة يونيو 1967، بل كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وأحد أهم الجسور التي عبرت عليها مصر نحو نصر أكتوبر 1973. كانت حربًا عسكرية وسياسية ونفسية في آن واحد، الهدف منها إعادة الثقة للشعب والجيش، وإثبات أن الهزيمة ليست قدرًا محتومًا.

فبعد النكسة، أدركت القيادة المصرية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر أن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني استسلامًا طويل الأمد. لم يكن الجيش مستعدًا بعد لخوض حرب تحرير شاملة، لكن كان لا بد من استراتيجية تُنهك العدو وتعيد الثقة للمقاتل المصري. ومن هنا جاءت فكرة “الاستنزاف”: حرب طويلة النفس تستنزف إسرائيل ماديًا وبشريًا، وتفتح الطريق لعبور قادم ومنها :-

معركة رأس العش (1967): أول إشارة بأن الجندي المصري قادر على الصمود. قوة صغيرة واجهت محاولة إسرائيلية للتوغل شمال الإسماعيلية، وصدتها ببسالة.

إغراق المدمرة إيلات (أكتوبر 1967): ضربة بحرية مذهلة، غيّرت موازين البحر المتوسط وأكدت أن البحرية المصرية قادرة على الفعل.

حرب المدفعية والكمائن (1968-1970): قصف متواصل على طول قناة السويس، وعمليات فدائية نوعية أرهقت العدو، وأوقعت فيه خسائر بشرية ومادية جسيمة.

هذه العمليات لم تكن مجرد معارك منفصلة، بل كانت رسائل متتابعة لإسرائيل والعالم: مصر لم تنكسر، وستقاتل حتى النهاية.

حيث تكبدت إسرائيل مئات القتلى والجرحى، واستنزفت اقتصادها الذي بدأ يعاني من تكلفة الاحتلال. أما في الجانب المصري، فقد استعاد الجيش ثقته بنفسه، وتدرّب عمليًا على القتال تحت ظروف صعبة، كما اكتسب خبرات عسكرية هائلة كانت حاسمة في حرب أكتوبر. والأهم أن الشعب المصري نفسه استعاد ثقته بجيشه وقيادته، وتحولت حالة الانكسار إلى حالة تحدٍّ وصمود.

من هنا جاء الدرس أن النصر لا يتحقق دفعة واحدة، بل عبر مراحل من الصبر والعمل والتضحيات. وأن الشعوب لا تُهزم بالهزيمة العسكرية، بل تُهزم حين تفقد إرادتها. مصر لم تفقد إرادتها أبدًا، بل حولت جرح 1967 إلى بداية طريق انتهى في السادس من أكتوبر 1973 برفع العلم على ضفة القناة الشرقية.

إن حرب الاستنزاف ستظل علامة مضيئة في تاريخ مصر الحديث، لأنها لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت حربًا لإعادة بناء الثقة والروح الوطنية. إنها الملحمة التي أثبتت أن الإرادة أقوى من السلاح، وأن مصر إذا تعثرت تقوم، وإذا جُرحت تنهض، لتكتب بدماء أبنائها أن الكرامة لا تُسترد إلا بالتضحيات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.