محمد رضا عباس يكتب | ما لم يقله آدم سميث عن التجارة الخارجية

0

عندما تحدث ادم سميث (Adam Smith) صاحب كتاب ثروة الأمم عن التجارة الخارجية لم يؤشر الى العراقيل التي قد تقف بالضد من متطلباتها , وهي حرية التجارة وعدم وضع العقبات امامها من قبل الحكومات . مؤسس الاقتصاد الحر , ادم سميث, اعتبر التجارة الخارجية تنفع كلا الطرفين البائع والمشتري, المصدر والمستورد, البلد المصدر والبلد المستورد على حدا سواء . التجارة الخارجية تنفع المصدر لأنها تزيد من رقعة سوقه , فيما ان المستورد يستفاد منها , لسبب ظروف بلاده الجوية او القدرة المالية او قلة الخبرات المتوفرة على كيفية انتاجها , واذا تمت صناعتها , فستكون عالية الكلفة مقارنة مع السلعة المتوفرة في الأسواق الخارجية.
الا ان السنين والأيام كشفت ان ما كان يدعو اليه ادم سميث صعب المنال و خاصة عندما تدخل السياسة في الموضوع وتصبح التجارة سلاح يتحارب بها المتحاربون , وهذا ما جرى تقريبا في جميع الحروب العالمية والمناطقية , حيث كشفت هذه الحروب ان الاعتماد على التجارة الخارجية محفوف بالمخاطر على المصدر والمستورد على حدا سواء , وهذا ما كشفته الحرب في اكرانيا . ان قرار دول اروبا بفرض عقوبات على روسيا , أدى الى تأثيرات سلبية على سوق الطاقة والأغذية على المجتمع الدولي . روسيا تعد من اكبر المصدرين للطاقة و الإنتاج الزراعي ,وعندما فرض الغرب عقوباته الاقتصادية عليها شعر بتأثيرها المواطن الأوربي و في الشرق الأوسط, وفي افريقيا . اروبا أصبحت تعاني نقص في الطاقة وأصبحت تؤثر على ادق الأمور في بلدانها , فيما ان الدول الأخرى في افريقيا والشرق الأوسط شعرت بالحاجة الى المنتوجات الزراعية الروسية , حيث ان بعض البلدان ستعاني من المجاعة الحتمية بدون تدفق الحبوب والاسمدة منها , هذا مع العلم ان الروس من اكبر المصدرين ليس للطاقة فقط , وانما الحبوب والاسمدة الكيماوية أيضا.
الا ان فرض عقوبات على صادرات بلد لا يؤثر سلبا على اقتصاديات البلد المستورد لها , وانما يشمل البلد المصدر لهذه السلع . لقد استطاع الروس بذكائهم السياسي , ان يجتازوا اضرار وقف صادراتهم , حيث انهم مستمرون بتصدير الحبوب , الغاز الطبيعي, والاسمدة بعد ان تدخلت الأمم المتحدة في الموضوع , كي تمنع مجاعة عالمية متوقعة . ولكن لو افترضنا , ان الغرب استطاع منع صادرات روسيا الى العالم , كما نجح في عقوباته الاقتصادية على العراق , ماذا ستكون نتيجة هذه العقوبات على اقتصاد روسيا؟ بكل تأكيد سوف تضطر روسيا بوقف انتاجها من الطاقة او تقليص انتاجها الى الحد الأدنى , كما حدث في ايران بعد ان فرضت الولايات المتحدة الامريكية العقوبات عليها , وسوف تتكدس المنتوجات الزراعية مما يضطرهم لإتلافها او تقديمها علف للحيوانات , وسوف تضطر الى تقليص انتاج الأسمدة الى اقل كمية ممكنة تجنبا من مخاطر تخزينها وانكماش أسعارها في السوق الداخلية . كما ذكرت ان روسيا تجنبت هذه السيناريو بقدرة سياسيها , وكذلك بسبب حجم انتاجها الكبير , وحاجة العالم الخارجي لها , ولهذا السبب فان روسيا بالحقيقة انتفعت من العقوبات الاقتصادية والشاهد على ذلك هو ميزانها التجاري والذي يشاهد فائض مالي غير مسبوق من قبل . وهذا بالضبط كان السبب عدم ارتفاع الأسعار في البلد , عدم تأثير اجمالي الإنتاج بالشكل الذي تعانيه دول اروبا .
اروبا , من طرف اخر, أصبحت تعاني من نقص الطاقة بالدرجة الأولى والذي اثر على جميع مفاصل الحياة فيها . ففي خلال اليومين السابقين ( 23 و 24 اب) نقلت وكالات الانباء العالمية من ان العالم يشهد صراعا على ناقلات الغاز . فقد اشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الى ان الدول الأوربية زادت في عام 2022 مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر و دول أخرى , على خلفية الصراع في أوكرانيا وفرض العقوبات على موسكو ونتيجة لذلك ازداد الطلب على ناقلات الغاز . وبسب هذه العقوبات تواصلت أسعار النفط بالارتفاع ( الأربعاء 24 اب) حيث وصل سعر البرميل الواحد بنمو 4% . وارتفعت أسعار الغاز في اروبا حيث تجاوزت العقود الآجلة للغاز مستوى 2,800 دولار لكل الف متر مكعب.
وعلى ضوء ارتفاع أسعار الطاقة الغير معهودة , وقفت شركة (Azoty) , اكبر شركة بولندية , منتجات الأسمدة و عدد من منتوجاتها . وبعد بولندا , قرر مصنع الأسمدة في ليتوانيا , الذي يعد الأكبر في دول البلطيق وقف العمل في أيلول أيضا بسبب ارتفاع أسعار الغاز.
تذكر , ان مع كل اجراء غلق او تعليق انتاج معين يجر معه تسريح للعمل تراجع للأجور وهو ما دفع بعض فقراء اروبا بممارسة السرقات المكشوفة وضح النهار, تورط بعض الشابات الدخول في سوق الدعارة, الاقبال على شراء الخشب لاستخدامه أيام الشتاء الباردة , واضطرار المواطنين الى شراء المواد الاستهلاكية المعروفة بانخفاض أسعارها , فيما اصبح رجال الاعمال يلاحظون انخفاض في نشاطاتهم التجارية . لقد جاء في بيانات صحيفة “وول ستريت جورنال” ان هناك ” تباطؤ حاد” في الاقتصاد العالمي , وفسرت الصحيفة هذا الوضع الى ارتفاع الأسعار و تأثيرها على قدرات الشرائية للأسر.
كل هذا أدى الى تحذير الأمين العام لحلف الناتو ينيس ستواتنبرغ من ان الشتاء القادم سيكون قاسيا و ” سندفع ثمن دعمنا لأوكرانيا”. ودعا الرئيس الفرنسي اليمانويل ماكرون شعبه للاستعداد من اجل بذل جهد اكبر والتضحية في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولا كبيرا واضطرابا مع نهاية الوفرة.
الرسالة واضحة , من يقبض على مفتاح تجارة معينة و كبيرة يجب ان يكون له جيش قوي و قبول شعبي يستطع من خلالهما انجاز ما يهدف اليه بدون تحمل تأثيرات قراراته والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه, وتصبح التجارة الخارجية عبء على المواطن والوطن وليس محرك للتطور والازدهار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.