محمد رياض اسماعيل يكتب | الوعي المتكامل للوجود البشري!

0

الناس تخاف، لان الخوف هو جزء من العقل، نحن نكني الشخص الخائف بالجبان، كذلك العقل، لأنه فارغ اجوف، يعتمد الصور الفكرية كوسيلة وقاية للبقاء في الوجود، لذلك يخاف من تغيير الصور الفكرية ويخاف الملاحظة والتأمل العميق الذي يرسخ وعيا حرا. حين يدرك الانسان ما يحصل بعد الموت يتوقف الحياة، حين يعي الانسان معنى الحياة والموت يتوقف حياته، سيكون هذا الوعي نهاية العالم له. لذلك يخاف التأمل والوعي الكامل.. الصور الفكرية سجن للعقل، الوعي ذلك الشيء الثمين الذي يضيء الحياة، والوعي وحده قادر على تقييم الصور الفكرية المخزونة في الذاكرة وإخراج العقل من سجنه وتحريره من قيود تلك الصور، ثم يختفي عنده كل المخاوف.. حين تعيش وتموت خائفا لن تذوق طعم الحرية.
قبل أكثر من مئات الالاف من السنين، حين بدأ الانسان يسال نفسه من انا، وما هي الحياة، وما هو الموت؟ بدأ يفسر الحياة بالإمكانيات الفكرية لعصره، معتمدا على الخرافات والاساطير، و اصبح يعبد الشيء المخيف في هذه الاساطير، وفق حجم وقوة وسطوة ذلك الشيء، وقدرته على ايلامه، او قدرته لديمومة حياته، او قدرته على تهديد بقاءه وحياته، واسماه إلها، فاصبح عابداً امينا للصورة الفكرية للإله، كإله الشمس و اله البحر واله النار و الرياح والبقر وغيرها، لحين ظهور الاديان والفلسفات حيث وجه انظاره الى الاله الواحد المتواري خلف السحب في السماء (كنت قد تطرقت اليها في مقالات سابقة، كيف تطورت واصبحت تجارة رابحة للكهنة، وافيونا للشعوب). ومع التقدم العلمي عبر العصور أصبح الانسان أكثر واقعية في تفسير الظواهر وهي تنضج وتتطور يوما بعد الاخر.
أصبح اليوم بالإمكان التنبؤ بالعديد مما سيحدث مستقبلا، على سبيل المثال، انجلينا جولي لم تكن لديها سرطان ثدي، ولكنها فحصت اجنتها لان امها ماتت بالسرطان، وتبين خلال برنامج حاسوبي تطبق الخوارزمية المنطقية بانها 78% ستصاب بهذا المرض. واليوم بإمكان مسترشد ال(كوكل) في الحواسيب والأجهزة النقالة او ما يماثله من تطبيقات، التعرف على مستخدميه ومتابعتهم منذ الصغر أو من وقت بدأه استخدام المسترشد، ويتعرف على امزجتهم، ماذا يريد المستخدم، وماذا يحب و يرغب به وماذا يكره ولا يحبذ، ويعرف محتوى ما يقرأ، واين يقف لفترات طويلة عند تصفح كتاب من الانترنت والى أين يعيد التصفح ليركزعليه، ثم الاشياء التي يتجاوزها بعجالة أي يتصفحها بسرعة، وينظر السيد كوكل خلال كاميرة الجوال الى ملامح الوجه وانفعالاته واين تضحك، يعيش معك محللا اياك في طوال مسيرة حياتك التي بدأت مع الحاسبة او الجوال، وبامكانها ان تختار لك زوجة احسن من امك او ابيك او الأقارب والاصدقاء او الشيوخ، لأنه يعرفك ويفهم متطلباتك اكثر من كل هؤلاء، لان لديه مقياس الجمال الروحي التي يستشرها من متابعتك لطبيعة الافلام والمقاطع والاغاني والمقالات والرسائل التي كنت تبعثها لصديقاتك، وكما لديها استشعار الجمال الفيزيائي التي تريدها بدقة وتحبها من خلال الصور التي تحفظها وتعيدها وتطيل النظر فيها. هذه التقنيات تقربنا من التكهن لما سيحدث ويزيد الوعي حضورا، ذلك الشيء الثمين الذي يضيء الحياة والقادر على تقييم الصور الفكرية وإخراج العقل من سجنه وتحريره، ثم يختفي عنده كل المخاوف، كما أسلفنا القول.
الخوف هو متجذر بالعمق في اللاوعي سيكولوجيا وفيزيائيا كميكانزم حماية لحياة الانسان. الخوف من فقدان الامان، يعصبنا ويدعونا نحو التمسك بالأمة والطائفة والوطن، الخوف من الاحساس بفقدان الوظيفة، يجعلنا نمتثل للمدراء والتعليمات الوظيفية وقواعد العمل. وهكذا يبدأ عزل البشر الى أمم وطوائف واوطان، وانعزالنا كأشخاص. بسبب ضعف الشعور بالأمان، ولو لم تكن موجودة، كنا أكثر تحررا، ولم يكن هناك فرق بين الاوروبي والعربي والهندي والصيني ..الخ.. ان الوحدة البشرية اتت بالأديان. الاديان جميعها بدأت بأفكار اعلنت على الناس ولم تكن سرية او مخفية، ثم تحولت لدى الناس الى قناعة مثالية وبدأت تعبدها، ولا ميزة في تلك الصورة الفكرية الذي نعبدها الا اننا نقدسها! سواء ان كانت الصورة الفكرية صنما او بقرة او غيبا..
إذا تعمقنا أكثر في الخوف نأتي الى الخوف النفسي من حركة الزمن، من الماضي والمستقبل، الخوف في العلاقات، الشعور بعدم الامان، الغفلة، الخوف من الموت، من الوحدة والانعزال عن الاخرين، ربما نكون متزوجين ولكن لدينا الاحساس بالوحدة.. الخوف أيضا من خشية عدم تحقيق الرغبات والخوف من الاحباط. الخوف من الايهام والاستغلال وغشاوة رؤية الامور.. ان العقل الخائف يخاف من الغوص في الخيال والتأمل خشية ان يؤدي الى خوف أعظم حين لا يتمكن من ايجاد الحلول. وهناك الخوف من تحدي المعتقدات والمبادئ السائدة في المجتمع والتي تؤمن بها وتحملها في الذاكرة. وكلما برز امامك التحدي برز معه الخوف، فيأتي دفاعك كرد فعل بشكل هجوم مقابل او بالمقاومة العمياء.
اليوم ونحن نخطو نحو المستقبل المؤتمت بالبرامج والخوارزميات، يزداد الوعي البشري، ذلك الشيء الثمين الذي يضيء الحياة والقادر على تقييم الصور الفكرية وإخراج العقل من سجنه وتحريره، ومتى وصل الوعي الى الادراك التام لمعنى الزمن ومسار الحياة وما بعدها، يبدأ الملل ثم ينتهي العالم والوجود!
اين المشكلة إذا انتهى العالم؟ دعها تنتهي، وننتهي معها، بل بالعكس فإنها أكبر تحرر من الخوف. نهاية العالم يعني نهاية المشاكل، نهاية الصراعات والعقد، لكنني أدرك بان الانسان محشو بالخوف، لان الخوف هو جزء من العقل، العقل الخائف الجبان. حين تعيش وتموت خائفا لن تذوق طعم الحرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.