محمد زكريا توفيق يكتب | توت عنخ أمون (1-3)

0

يتفق معظم علماء المصريات على أن الملك “توت عنخ آمون”، هو ابن “إخناتون”. أكد اختبار الحامض النووي ذلك الرأي، وبين أن الملكة الجميلة “نفرتيتي”، هي ليست أمه.
يعتبر “توت عنخ آمون”، أشهر الملوك في التاريخ القديم والحديث. بالرغم من ذلك، لا نعرف عنه إلا القليل.
تاريخ وادي الملوك تاريخ هام. بعض القبور تم فتحها على مدى التاريخ. علماء نابليون، سجلوا 16 قبرا، 11 منهم وجد مفتوحا. هم الذين اكتشفوا مقبرة “أمينحتب الثالث”، ورسموا أول خريطة دقيقة لوادي الملوك.
“جيوفاني بيلزوني”، كان أول منقبي الأثار المنهجيين. لقد اكتشف قبر الملك “سيتي الأول” وتابوته الحجري، ثم قام بعرض مكتشفاته في معرض بلندن. في عام 1881م، تم اكتشاف مقبرة مؤقتة، وجدت بها محتويات قبور الملوك المفقودة من الوادي. ليس بينها “توت عنخ آمون”.
مقبرة “أمينحتب الثاني”، المكتشفة عام 1898م، وجدت بها محتويات عدة ملوك. لكن أيضا، لا أثر لتوت عنخ آمون. شئ غريب! إذا كانت محتويات قبور هؤلاء الملوك العظام، قد خزنت بهذه الطريقة التي تشبه الدفن الجماعي في مقابر الصدقة.
ربما بسبب القلاقل السياسية التي كانت تمر بها البلاد، أو بسبب انتشار لصوص المقابر على نطاق واسع، أو لسبب آخر. لكن يبقى السؤال، لماذا لا يوجد بينها محتويات مقبرة توت عنخ أمون؟ فأين أنت يا توت عنخ آمون؟ هل يوجد في الوادي؟ هل له قبر خاص به؟ ربما.
بدأت شخصيات هامة في البحث عن قبر توت عنخ آمون في الوادي. لكن “هوارد كارتر”، الأثري الفنان، هو بطل قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.

ولد “هوارد كارتر”، في مدينة لندن بانجلترا عام 1874م، عالم مصريات وأثري. بدأ حياته مبكرا بدراسة الفن والرسم بمصر. أرسلته السيدة “أمهيرت”، جامعة التحف الأثرية، إلى مصر، لكي يقوم برسم ما يكتشفه الأثريون من آثار.
هناك عمل مع عالم المصريات العظيم “بيتري”. كانت له إسهامات هامة في الاكتشافات الأثرية بمنطقة بني حسن، حيث وجدت مقابر أمراء الدولة الوسطى. كما أنه قام باكتشاف آثار، تعود للملكة حتشبسوت، في أحد مقابر الدير البحري عام 1899م.
تم تعيين كارتر في وظيفة كبير مفتشين، وهو في سن 26 سنة. أثناء هذه الوظيفة، أمر بتركيب بوابات حديد وإنارة في العديد من المقابر، وقام بالتحقيق في حادث سرقة مقبرة أمينحتب الثاني عام 1901م. التحقيق أدى إلى القبض على اللصوص.
“ثيودور دافيس”، ثري أمريكي، وظف كارتر عنده، للإشراف على عمليات التنقيب على الأثار. نتائج هذا التنقيب، أثمرت عن اكتشاف مقبرة “تحتمس الرابع”.
في عام 1904م، فصل كارتر من العمل مع الثري الأمريكي، لأسباب سياسية. فقام “دافيس”، بتعيين “إدوارد أيرتون”، بدلا منه. “أيرتون”، اكتشف كأسا من السيراميك تحت أحد الأحجار، منحوتا عليه اسم الملك توت عنخ آمون.
الآن تأكدنا أن توت عنخ آمون موجود في وادي الملوك، وليس خارجه. اكتشف “أيتون”، إلى جانب هذا، عام 1907م، حفرة صغيرة، بها عظام حيوان، قدور نبيذ، ضمادات، وأيضا اسم توت عنخ آمون، وبقايا آخر أكلة أكلها توت عنخ آمون.
كذلك، قناع مومياء. وعندما وجد “دافيس”، قبرا صغيرا به رقاقة ذهبية عليها اسم توت عنخ آمون، كتب في كتابه: “أخشى أن يكون وادي الملوك قد استنزف ولم يبقى فيه شيئا”.
لكنه كان مخطئا. ففي عام 1907م، تم اكتشاف المقبرة رقم 55. وجدت بها الضريح المذهب للملكة “تي”، وتابوتا طمس الخرتوش الذي يحوي اسم الملك داخله. بالإضافة إلى مومياء في حالة سيئة هشة. كان يعتقد أنه ربما يكون قبر توت عنخ آمون.
اللورد البريطاني “كارنافون”، قام بتوظيف “هوارد كارتر”، الذي كان يبحث عن عمل في ذلك الوقت. كان اللورد، المهتم بالآثار المصرية، يعتقد أن “دافيس”، لم يكتشف بعد قبر توت عنخ آمون.
في عام 1917م، قام “كارنافون” و”كارتر”، بالحصول على امتياز التنقيب في وادي الملوك. بعد العمل الشاق لعدة سنوات، وجدت أول درجة تقود إلى قبر توت عنخ آمون في 4 نوفمبر 1922م.

في اليوم التالي، وجد باب المقبرة. بعد ذلك، ظهر باب مختوم. داخل المقبرة، في غرفة الدفن، وجدت 4 أضرحة مذهبة، تحتوي على تابوت كوارتز أصفر، بغطاء جرانيت أحمر مشروخ.

بعد ذلك، قام كارتر بما يشبه المناورات السياسية، والإضراب عن العمل. تسبب ذلك في التوقف عن العمل في المقبرة. عندما عاد كارتر للعمل في أكتوبر عام 1925م، فتحت التوابيت.

التابوت الخارجي، به 4 مقابض من الفضة الخالصة. التابوت الثالث الداخلي، يزن من الذهب الخالص 250 رطل. المومياء كانت بداخله كاملة. لكن، ليس هناك ما يثبت اسم الملك أو عائلته.

كان كارتر متحيرا من هذا الأمر. وجد في القبر أيضا، عربات حربية وعروش ملكية، وأشياء أخرى تعد بالمئات. لكن، لا يوجد تيجان، أو اسم الملك. ربما يكون التاج الفرعوني، شيئا مقدسا، يسلمه كل ملك لمن يليه.

بعد وفاة “إخناتون”، خلفه ابنه، “توت عنخ أتون”، المولود عام 1341ق م، من زوجته “كيا”. تزوج “تـوت عنخ أتون” من نصف أخته، “عنخ إسن أمون”، ابنة إخناتون ونفرتيتي. أنجب منها طفلين، ماتا أثناء الولادة.

الملك الصبي “توت عنخ أمون”، ال12 في سلسلة ملوك الأسرة ال18 العظام، استمر حكمه ثمان أو تسع سنوات. والده “إخناتون”، كان يمنع عبادة الآلهة المتعددة، ويدعو إلى عبادة الإله الواحد “أتون”، الذي يمثله قرص الشمس. لذلك كان يعتبر بالنسبة للقدماء “الملك الزنديق”.

في الواقع، علاقة الأديان بالشمس، هي علاقة قديمة كانت شائعة في العالم القديم وعند معظم شعوب العالم. حتى اليوم، نجد صدى لها في الأديان الكتابية.

فمثلا، نقوم بصلاة الفجر، عند بزوغ أول أشعة الشمس. وصلاة الظهر، عند تتوسط الشمس كبد السماء. وصلاة المغرب، عند غروب الشمس. وصلاة العصر، عندما تتوسط الشمس بين الظهر والمغرب. وصلاة العشاء، عندما يختفي آخر ضوء للشمس.

الصوم أيضا، مرتبط بالشمس. فنصوم مع بدء أول ضوء للشمس، ونفطر مع غروب الشمس. الحج، مرة كل عام، بالتوقيت القمري، وهو تقريب مبسط للسنة الشمسية. ماذا يعني هذا؟ يعني أننا لازلنا مرتبطين بالشمس وبديانة التوحيد، كما كان إخناتون، مهما أنكرنا.

ما هو حجم دعوة إخناتون إلى الإله الواحد؟ وهل هو الأول في دعوته؟ يبدو أنه كان يرغب أيضا في تحجيم نفوذ كهنة أمون وسيطرتهم على اقتصاد مصر القديمة، وإعادة النفوذ للملك والحكومة والجيش.

دعوة إخناتون، ألقت البلد إلى أحضان الفوضى العارمة. قام إخناتون بنقل العاصمة إلى تل العمارنة، وتفرغ هو لدعوته. أهمل أمور المجتمع والسياسة الخارجية.

مع تزايد الصراع بين القديم والجديد، انتشر الفساد والإهمال. بعد 17 سنة من حكم إخناتون كملك، 21 سنة منذ بداية اشتراكه في الحكم مع والده، ربما يكون قد خلع من الحكم. مات بعد ذلك مباشرة. ابنه “توت عنخ أمون”، 9 سنوات، أصبح فرعون مصر الجديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.