محمد سيف الله يكتب | مداخل لمسار العدالة الاجتماعية

0

“تضاعف الإنفاق الاجتماعي فتضاعف الفقر.. أين الخطأ؟” عنوان مقال نشر في عام 2020 للباحثة سلمي حسين الذي قيمت من وجهة نظرها جهود الدولة لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين عن طريق زيادة الدعم الموجه إلى الغذاء وكذلك زيادة حجم الدعم النقدي الموجه إلى الفقراء وزيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامجي تكافل وكرامة, مع ذلك رصدت الكاتبة ان تلك الجهود لم تكن كافية في ذلك الوقت و تحدثت عن إعادة إنتاج الفقر و ماكينات إنتاجه و جذور المشكلة كون الفقر ظاهرة ديناميكية أي دائمة الحركة، قد تهبط أسرة دون خط الفقر إذا ما أصاب أحد أفرادها مرض مفاجئ، أو إذا فقد عائلها عمله, ثم ترتفع في الأشهر التالية.

من ناحية أخري انخفضت معدلات الفقر القومي فعليا إلي 29.7% عام (2019-2020 ) مقارنة بـ 32.5% عام (2017-2018 ) بنسبة انخفاض قدرها 2.8%. مما يعكس نـجاحا ما لجهود الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية.

علي جانب أخر يظل معدل 29.7% مرتفعا رغم الإنجاز الحقيقي في تحسن المؤشر حيث ان معناه ان هناك ما يقرب من 30 مليون مواطن أو يزيد يقعون داخل دائرة الفقر و هنا يأتي السؤال إذا كانت تلك الجهود الخاصة بالإنفاق الاجتماعي و المبادرات التنموية أمور ضرورية و لها اثار حقيقية، لماذا لم تحقق طفرات أكثر من ذلك؟

الإجابة ببساطة هي أن المنظومة تحتاج إلى تغيير هيكلي بجانب ضخ الأموال وهذا يأتي في ثلاث محاور لمسار العدالة الاجتماعية: التمثيل، التأهيل، التوازن في الأجور.

التكافؤ في تمثيل المصالح أمر تحتاج إليه شرائح كثيرة في المجتمع المصري ليس الأكثر فقرا منها فقط ولكن أيضًا الأكثر إبداعًا. من ناحية هناك فئات لا تري لنفسها تمثيلًا ملائًما لمصالحها مثل خريجي بعض التخصصات العلمية الجديدة مثل التكنولوجيا الحيوية  biotech مثلًا مقابل فئة أخري مثل عاملات المنازل مثلًا. علي الجانب الأخر يعاني قطاع عريض من المصريين من أزمة تمثيل جغرافيا بسبب غياب المجالس المحلية و اقتصاديا فئات مثل ملاك العقارات القديمة و من يقابلهم من مستأجرين (مقيمين لا تاركين) ، واجتماعيًا مثل المرضي حيث ان نقابة الأطباء تمثل الطبيب و اتحاد الصناعات يمثل مقدمي الخدمات الطبية، و يفتقد أيضا الفلاحين و المزارعين إلي التمثيل الملائم للمصالح في الحصول علي الارشاد الزراعي والقدرة علي التنظيم الملائمة لتكون روابط تعاونية لتغذية سلاسل التوريد إلا في استثناءات  تراعها بعض الشركات الدولية بالتعاون مع بعض المؤسسات المانحة . التمثيل المتكافئ يعني توازن في العلاقة بين المستثمر والعامل، المالك والمستأجر، المنتج والمستهلك، الطبيب والمريض، المزارع والموزع، مقدم الخدمة والعميل، هيئة التدريس والطلاب. في مصر دائما هناك أزمة ما ويشعر الجميع بالغبن من الفئة الأخرى المقابلة في الوجه الأخر للمعادلة وهذا يحتاج لمفهوم جديد للديمقراطية الاقتصادية يقوم على تمثيل المصالح لا التمثيل السياسي فقط المتمثل في البرلمان أو المجالس القومية الأخرى كحقوق الإنسان والمرأة وغيرها أو حتى النقابية بل نحتاج إلى منصات حوارية كتجربة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ولكن في المجال الاقتصادي للمفاوضة الجماعية بين الجميع وتحقيق الاتزان المطلوب.

التأهيل أمر ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية لأن الفجوات الاقتصادية مكمنها في الأصل فجوات تعليمية وتأهيلية لسوق العمل ولعل أبرز مشاكل خريجي التعليم الفني هو إشكالية التأهيل رغم ان هناك طلب أصلا على هذه المهارات فبلد واحدة مثل ألمانيا مثلا تحتاج الأن إلي 400 الف فرصة عامل لخريجي التعليم الفني و لكن عن أي جودة تعليم فني نتحدث!

أخيرًا التوزان في الأجور هو ثمرة تحقق العدالة الاجتماعية فكما صرح الرئيس من قبل بأن متوسط الأجور يجب أن يصل بين 10 ألاف إلى 20 ألف جنيه شهريًا وهو أمر ضروري للحفاظ علي كواردنا البشرية في سوق العمل و تفادي أزمات مثل العجز في الأطباء نتيجة الهجرة المدفوعة بسبب انخفاض الأجور لحديثي التخرج علي سبيل المثال لا الحصر .لذلك يعد تحقيق تكافئ تمثيل المصالح أولا بالتزامن مع رفع كفاءة العنصر البشري ثانيا السبيل نحو التوازن في الأجور لتكون ساعتها أي زيادة في الأجور مرتهنة بزيادة في الانتاجية مما يدفع نحو المزيد في زيادة الأجور مما يدفع نحو المزيد من النمو الاقتصادي و تستمر الحلقة نحو مسار التنمية المستدامة.

 

 

المصادر:

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=03012020&id=4165f69a-1468-430b-9631-c77defbbd358

https://www.un.org/ar/observances/social-justice-day

https://www.youm7.com/story/2021/10/17/الإحصاء-يكشف-أسباب-انخفاض-معدلات-الفقر-فى-مصر-لأول-مرة/5499122

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.