شكل الموسيقار بليغ حمدي والذي يعد أحد أشهر ملحنين العرب في العصر الحديث حالة فنية وتاريخية في الثقافة المصرية. شكلت ألحانه حقبة زمنية عشقها المصريون فإبن شبرا الذي ملئت ألحانه جنباتها وشوارعها من بدايتها حتى كورنيش النيل
ظل مرتبطًا لدي المصريين بالابهار والتفرد والإتحاف والعجائب فهو ذاك الرجل الذي يلحن موسيقي بسيطة جدا لكنها مذهلة فائقة الجودة والابداع تظن لوهلة أنها بسيطة كعادة المبدعين في إنتاجهم وابداعاتهم ثم تتأمل فتتحسن مواطن الجمال ثم تعيش مع اللحن لتسحر ولا تستطيع التوقف عن السماع
مبدع كاسر لكل الحواجز كاسر حتي لقوانين الاجتهاد الطبيعية ولمنطق الدراسة والعمل فبليغ كان قادر علي صنع لحن في ساعات وفي دقائق
عمل كبير يحتاج لجهد ولتركيز ولتعديل وسعي ينتجه بليغ في لحظة تجلي حتي ظنوا انه عليه جن بيلقنه الألحان واثار سخط الملحنين وكبارهم من حوله الذين يبذلو الليالي لينتجوا كوبليه ناجح مؤثر فينتج منه بليغ مقطوعة موسيقية كاملة في ساعة
عمل حدث مرارا وتكرارا ليثبت ان الموهبة في مكان أخر عظيم شأن الاجتهاد ومثير للاعجاب لكن الموهبة مثيرة للذهول فرق عظيم بين جميل صنع الإنسان وبديع فطرة الله ومنحه
ظل بليغ يبهر المصريين في جميع مراحل حياته يوما بعد يوم وفلتة بعد فلتة
فمنذ عرفوه أول مرة شابا في العشرينات من عمره يلحن لأم كلثوم عام ٦٠ “حب إيه” وهي كوكب الشرق وفي قمة مجدها متسائلين من هذا الفتي وما تلك القدرة الجبارة التي دفعت ام كلثوم للاعجاب والاقتناع به
وألحان اغاني حليم وجمال الالحان التي هام بها الجمهور وعاش معها اكثر من كلمات الاغاني ومن صوت حليم لدرجة ازعجت العندليب نفسه
ثم معجزته الجبارة وتلحينه للحنين في يوم واحد من اعظم ما صنع في الاغاني الوطنية ” حلوة بلادي السمرا بلادي” و “الله اكبر بسم الله” في يوم واحد في بداية حرب أكتوبر كرسالة دعم ومؤازرة للجنود والجيش وظلت الاغنيتين علامة فارقة في التراث الوطني المصري
لم يتوقف بليغ عن صدم المصريين بموهبته حتي صنع للشيخ النقشبندي لحن عظيم لابتهال خالد “مولاي اني ببابك ” مستخدما المؤثرات الصوتية لمجموعة الابتهال والدف فقط دون اي آلات موسيقية أخرى كأنه يستعرض بموهبته ويتعمد إثارة ذهول الجمهور
ظل بليغ مثل كبير وشاهد علي ثراء الارض المصرية بالمواهب وعظم المكون الحضاري وتغلغله في الشخصية المصرية وان تلك التربة قادرة عبر سنوات طويلة علي اخراج مبدعين في كافة المجالات يمتعوا الناس ويخدموا حياتهم ومستقبلهم. رحم الله بليغ حمدي وكل مبدعي مصر وحفظ تلك الارض الطيبة المباركة.
