محمد عبد الكريم يوسف يكتب | السنباطي الذي رفض الغناء

0

رياض السنباطي، أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، كان يمتاز بموهبة فذة وذوق رفيع في تلحين الأغاني. رغم موهبته الكبيرة في الغناء، إلا أنه رفض أن يكون مغنيًا، ليظل دائمًا في الظل، مبتعدًا عن الأضواء التي تسلطت على أم كلثوم، والتي كانت تشع في سماء الفن المصري والعربي. لكنه كان مبدعًا في صنع ألحانه التي عزفت على أوتار القلوب وأسطورة أم كلثوم.
إليك بعضًا من الطرائف التي رافقت السنباطي طوال مسيرته:

رفض الغناء: خوفًا من المقارنة
في بداية حياته الفنية، كان رياض السنباطي يمتلك صوتًا قويًا ومميزًا جدًا، وكان بإمكانه أن يصبح مطربًا لا يقل شأنا عن كبار المطربين في عصره. ولكن، كان له موقف حاسم جعل كل شيء يختلف. عندما طلب منه أحد الأصدقاء أن يغني في الحفلات، قال السنباطي: “أنا لا أريد أن أغني، لماذا؟ لأنني لا أريد أن يُقارن صوتي بأم كلثوم!”. كان يدرك تمامًا حجم مقارنة الجماهير بينه وبين أم كلثوم، وفضل أن يظل خلف الكواليس كملحن، حيث كان يقدم أجمل الألحان التي أضافت رونقًا جديدًا للغناء العربي.

الموقف الساخر من نفسه: “لا أبتسم أمام الناس!”
كان السنباطي دائمًا يظهر بمظهر الجدية، وكان معروفًا بعدم إظهار ابتساماته أمام الجمهور أو حتى في مواقف اجتماعية. في إحدى المناسبات، قال لأحد أصدقائه المقربين: “أحيانًا، يقولون لي إنني لا أبتسم أبدًا، وأنا دائمًا في حالة من الجدية. لكن في الحقيقة، لا أبتسم لأنني أخشى أن أُسجل في التاريخ كمُلحن مبتسم!”.
وظهر هذا الموقف بشكل فكاهي خلال أحد اللقاءات الإعلامية، عندما سُئل عن سبب تعبيره الجاد، فأجاب السنباطي ضاحكًا: “أنا لا أبتسم، لكن هذا لا يعني أنني لا أستمتع. أنا أستمتع بصوت الموسيقى أكثر من أي شيء آخر. ليس كل شيء يحتاج إلى ابتسامة!”. وكان في إجابته يعكس شخصيته العميقة التي لا تبالي بالأضواء أو الانطباعات الجانبية.

تعليق طريف على تعبيراته أثناء العزف
في أحد اللقاءات الصحفية، سُئل السنباطي عن السبب وراء تعبيره الجاد والمركّز أثناء عزفه على البيانو. فأجاب قائلاً: “لو كنت أبتسم، كان الجميع سيظن أنني ألعب وأهزر، بينما أنا أخلق أعظم لحن في تاريخ الموسيقى العربية! يجب أن أكون جادًا لتقديم فنٍ حقيقي”. وكان ذلك ردًا فكاهيًا يعكس التزامه العالي بالموسيقى، بالرغم من طبيعته الجادة.

قصة “إبريق الشاي” في بروفات العمل
في إحدى البروفات الموسيقية، كان السنباطي مع فرقته يعمل على أحد الألحان الجديدة، وعندما أخذت البروفات وقتًا أطول من المتوقع، بدأ أحد العازفين في الحديث عن موضوع بعيد عن الموسيقى. في تلك اللحظة، رد السنباطي قائلًا: “إذا كنت تريدون الشاي، فلا تعكرون جوّنا بمناقشاتكم، علينا أن نركز في اللحن! لكن إذا أردتم، يمكنني أن أغني لكم أغنية إبريق الشاي !”. بالطبع، كان السنباطي يمازحهم بأسلوبه الطريف.

ردًّا على من قال له: “أنت لا تبتسم”
ذات مرة، قال له أحد المقربين: “يا رياض، أنت لا تبتسم أبدًا! لماذا؟”. أجاب السنباطي بنبرة هادئة: “ابتسامي في الموسيقى أصدق من ابتساماتي أمام الناس. في لحظات العزف والتلحين، أنا في عالم آخر، لا أحتاج إلى أية ابتسامات أمام الجمهور، لأنني أعيش لحظة الفن الحقيقية”.
وكان السنباطي يعبر عن فكرة أن الفنون الحقيقية لا تحتاج إلى مسرحيات وابتسامات سطحية، بل تحتاج إلى تركيز وتفاني في العمل. هذه كانت رؤيته الخاصة للفن، والتي جعلته يبقى دائمًا في طليعة المبدعين.

الطرائف في تعاملاته مع الفرق الموسيقية
أثناء بروفات إحدى الحفلات، كان السنباطي دائمًا يفرض نظامًا دقيقًا على الفرق الموسيقية. في إحدى المرات، فوجئ أحد العازفين وهو يعزف بطريقة غير دقيقة في إحدى المقطوعات، فقال له السنباطي مازحًا: “عندما تعزف بهذه الطريقة، تصبح موسيقاك كالماء الساخن! لا يمكن لأحد أن يشربه!”. أثار هذا التعليق ضحك الجميع، ولكن كان السنباطي يقصد من ورائه أن الموسيقى يجب أن تكون شديدة الدقة والتركيز.

غضب السنباطي من المقارنة بأم كلثوم
في أحد الحوارات الصحفية، سُئل السنباطي عن رأيه في المقارنة المستمرة بينه وبين أم كلثوم، وخاصة في ظل شهرتها الواسعة وحجم النجاح الذي حققته. فأجاب بغضب ساخر: “هل تعرفون لماذا لا أريد أن أغني مثل أم كلثوم؟ لأنني لو فعلت ذلك، سأكون في قفصٍ لا أستطيع الخروج منه، في ظل تلك المقارنات المستمرة! أنا أحب أن أظل خلف الكواليس، حيث أستطيع أن أعيش حياتي كما أريد”. هذا الرد كان مليئًا بالتواضع والسخرية في آن واحد، مما يعكس شخصيته المركبة.
رياض السنباطي، رغم جديته وتركيزه العميق في عمله، كان أيضًا صاحب روح مرحة وطريفة في بعض الأحيان. وبدلاً من أن يتحمل عبء المقارنات والتوقعات، اختار أن يكون خلف الأضواء ملحنًا عبقريًا يضيف للبشرية أجمل الألحان. كانت روح السخرية في ردوده وحس الدعابة الذي يرافقه دائمًا جزءًا من شخصيته التي لا تُنسى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.