محمد عبد الكريم يوسف يكتب | المرأة في وسائل الإعلام (1)
إن بناء مجتمعات المساواة هي إحدى أولويات الدول الديمقراطية الحديثة. تلعب وسائل الإعلام دورا فريدا وهاما في تشكيل مجتمع يتمتع فيه الرجال والنساء بحقوق متساوية. إن رفع الوعي القانوني للمرأة أمرٌ مهمٌ لخلق مجتمع قائم على المساواة. يتم التوصل إلى ذلك من خلال عدة وسائل تشمل الوسائل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والوعي بحقوق الإنسان والسياسية وما إلى ذلك. دور وسائل الإعلام مهم للنجاح في جميع المجالات المذكورة أعلاه. إذ يمكن لوسائل الإعلام أن تعزز وتسرع الإصلاحات الجارية أو على العكس من ذلك يمكنها أن تعرقل تنفيذها.
وقد أعرب عدد من المؤتمرات والاتفاقيات الدولية عن الحاجة إلى كسر القوالب النمطية العامة عن طريق تغيير سياسة وسائل الإعلام. ومع ذلك، تواصل وسائل الإعلام إنتاج صور نمطية تمييزية عن المرأة وتصويرها بطرق جنسية مثيرة. وكقاعدة عامة، يتم تصوير النساء في نطاق ضيق من الشخصيات في وسائل الإعلام. وإذا كان علينا أن نقسم وسائل الإعلام الجماهيري إلى فئتين، مثل الوسائل الإعلام الخيالية والوسائل الإخبارية. في الأولى، غالبًا ما ترتبط النساء بالأُسرة والأعمال المنزلية أو كأدوات جنسية. وفي الفئة الثانية، تفتقر المرأة إلى الأدوار إذ ليس لها مكان يذكر على هذه الوسائل.
وهناك فقط في عدد محدود من البرامج الإخبارية، تظهر النساء كممثلات أو خبيرات رئيسيات. ويعود أحد أسباب هذا الوضع إلى انخفاض عدد النساء في هذه المجالات، ولكن حتى العدد الحالي للنساء ناقص التمثيل مقارنة بنظرائهن من الذكور.
في الإعلانات والمجلات، عادة ما يتم تصوير النساء على أنهن صغيرات ونحيفات وذوات جمال يلبي المعايير المقبولة. غالبًا ما ترتبط النساء اللواتي يتمتعن بهذا النوع من الأجسام بالمواد والإيحاءات الجنسية.
لماذا ينسب علماء الاجتماع أهمية دراسة الصور والأفكار النمطية عن المرأة في وسائل الإعلام؟ والأنوثة، بالإضافة إلى الذكورة، ليست مسألة بيولوجية ولكنها تعتمد على خلفيات ثقافية. تختلف تصورات ومظاهر الأنوثة عبر الثقافات والزمن والمجتمعات. الأنوثة مبنية ثقافيًا واجتماعيًا على الأسرة والتعليم والجمهور و وسائل الإعلام إلى حد كبير. وفي هذا الصدد، يمكن للتغيير طويل الأجل في صورة المرأة في وسائط الإعلام أن يساعد في تغيير المفاهيم والصور النمطية التي تواجه المرأة في المجتمع.
كانت وسائل الإعلام في المرحلة الأولى من تاريخ تأسيسها تدار حصريا من قبل الرجال. وكان يتم تصميم صور وسائل الإعلام للرجال والنساء حسب ما يفضله الرجال. و بعبارة أخرى، كان الرجال يخلقون صورًا إعلامية لرجال ونساء كانوا يرغبون في رؤيتهم في الواقع.
أصبحت صور وسائل الإعلام للنساء موضوع نقد في دراسات الإعلام النسوي منذ ستينيات القرن الماضي وخاصة عندما كشفت بيتي فريدان في كتابها بعنوان “سحر الأنوثة” (1963) عن صورة المرأة المثالية في أميركا بعد الحرب. وتصف فريدان هذه الصورة بأنها “بطلة وربّة بيت سعيدة.” و بعدها، بحثت العديد من المنظمات والمجموعات النسائية والمجلات عن الطبيعة التمييزية لصور النساء في الإعلانات والأفلام. وكانت النتائج المزعجة لبحثهم هي السبب وراء بيان اليونسكو حول وسائل الإعلام في عام 1979 والذي ينص على :
“مع الأخذ في الاعتبار أن البرامج التلفزيونية تعطي معلومات وتؤثر على أدوار الجنسين في الحياة الواقعية، يجب الإشارة إلى أن صور النساء مشوهة وغير واقعية في هذه البرامج. وكل أنواع البرامج الترفيهية تصور النساء في صورة مزدوجة. من جانب، و في الوقت نفسه، تصورها على أنها شخص سلبي في الأسرة وفي الزواج وتعتمد على الرجال لإعالتها والحصول على الدعم المالي والعاطفي والبدني “.
وعلى الرغم من حقيقة أن الإعلام اليوم يربط الأنوثة بشكل متزايد بالنساء المستقلات والقويات، إلا أن الصفات التي تعلمها الحالة الجنسية ما زالت تلعب دورًا مهيمنًا في تشكيل الأنوثة.
فالعرض الجزئي لجسد الأنثى وتجزئة جسد المرأة في الإعلانات يشجع على ترويج عرض أجساد النساء كسلعة. وعندما تعرض شاشة التلفزيون أو الملصق التجاري فقط ساقا طويلة نحيلة، أو ثديين بارزين أو فخذين مغريين فمن الصعب إدراك ذلك الجسد أو الشخصية بشكل كلي.
بالإضافة إلى ذلك، تتأثر الشخصيات النسائية المصوّرة إلى حد كبير بأسطورة الجمال. فهي تحتوي على بشرة خالية من العيوب وقوام نحيل وقوام جميل يجسد جميع مكونات الجمال كما يراها المجتمع. ونتيجة للعولمة، أصبحت هذه الأسطورة معممة بشكل متزايد عبر الثقافات والمجتمعات. ومع ذلك، من المستحيل تحقيق معايير الجمال كما هو مصور في وسائل الإعلام حيث تم تحويل النماذج إلى هذه الصور من خلال عدد من الوسائل التقنية.
بقلم أنّا دافيتيان جيفورجيان
ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف