محمد عبد الله يكتب | نظرة أشمل لمكاسب شرم الشيخ

0

ظهرت بعض المنشورات على مواقع التواصل تتحدث عن خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الكنيست، وأبدت قلقها من بعض تفاصيله ،في ظل محاولات من مجموعات معروفة بتوجهاتها لتضخيم مضمون ذلك الخطاب أمام ما تحقق فعليًا في قمة شرم الشيخ للسلام في مصر. وهنا يصبح من الضروري توضيح نقاط مهمة حول الفرق بين السياق السياسي لخطاب الكنيست، وبين النجاح الاستراتيجي والواقعي الذي أفرزته قمة شرم الشيخ وما حققته مصر من مكاسب لصالح القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري والعربي في المحصلة العامة للصراع الدولي والإقليمي الدائر على حدودنا منذ عامين، وإضافة وترسيخ مرجعية دولية جديدة لدعم القضية الفلسطينية في مؤتمر شرم الشيخ للسلام 2025.
خطاب التوازنات: قراءة في خطاب ترامب بالكنيست
يُعدّ خطاب ترامب في الكنيست نموذجًا لما يمكن تسميته بـ “خطاب التوازنات” إذ لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الأوسع للصراع بين الشرق وعلى رأسه الصين وروسيا ،والغرب ممثلًا في الولايات المتحدة وأوروبا، ولا عن دائرته الإقليمية الأقرب بين إسرائيل من جهة، وإيران وأذرعها في لبنان واليمن والعراق من جهة، وكذلك تركيا وذراعها في سوريا.
في هذا السياق تؤدي إسرائيل دور الوكيل الغربي لتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة، وهو ما يجعل تأثير ذلك الخطاب يرتبط في الأساس برغبة الإدارة الأمريكية في التأكيد على استطاعتها الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
لذلك يوجّه ترامب من خلال ذلك الخطاب رسائل إلى الداخل الأمريكي من ناحية ، ورسائل إلى الصين وروسيا وإيران من ناحية أخرى، مفادها أن المنطقة الممتدة من العراق حتى البحر المتوسط أصبحت – وفق التصور الأمريكي – منطقة ارتكاز استراتيجية في مواجهة الشرق ، ورسالة أخري الى قوى اللوبي الصهيوني الدولية أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بأمن إسرائيل .
مع ملاحظة أن الخطاب حاول فصل غزة عن القضية الفلسطينية الأم ،وهي النقطة التي عالجتها الإدارة المصرية بحسم ووضوح في القاهرة ، وساهم في تأكيدها دعوة مصر للرئيس الفلسطيني لحضور القمة.
من هذه الزاوية ،يمكن قراءة الخطاب الأمريكي بوصفه أداة إعلامية دعائية موجهة أساسًا إلى الشرق والداخل الأمريكي واللوبي الصهيوني ،وهو السمت العام لمعظم خطابات الرؤساء الأمريكيين منذ نشأة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
لكن فعليًا لم يتحقق من مضمونه على الأرض إلا القليل ،مثل بعض المكاسب لإسرائيل في سوريا أو تحييد نسبي لحزب الله حتى الآن ، وتأجيل طفيف – ومحل شك – للبرنامج النووي الإيراني. في المقابل تلقت إسرائيل ضربات استراتيجية قاسية أضعفت أهم عناصر أمنها القومي، وهو عامل الردع، وتسببت في اهتزاز نظريتها الأمنية وتراجع أكذوبة تفوقها الكاسح على جيرانها، فضلًا عن أزمات داخلية اقتصادية وسياسية واجتماعية غير مسبوقة، وانكشاف كبير لضيق العمق الجغرافي وضعف التعداد البشري في اختبار المواجهة مع دول الإقليم لتُظهر الفارق الشاسع بين الأطماع الإسرائيلية في المنطقة والقدرة الحقيقية على تنفيذها.
كما لم يترتب على ذلك الخطاب أي مخرجات قانونية أو دولية أو دبلوماسية تمثل أي إضافة أو مرجعية تمس جوهر الأزمة ولب الصراع أو تدعم إرساء السلام كما حدث في قمة شرم الشيخ.
قمة شرم الشيخ: نجاح استراتيجي مصري واقعي
على الجانب الآخر، وفي إطار قمة السلام بشرم الشيخ وما مثّلته من حدث إقليمي ودولي كبير، استطاعت مصر أن تخرج من تلك الأزمة بنجاح منقطع النظير، سواء من حيث حماية أمنها القومي أو تعزيز مكانتها القيادية.
فالسياق العام للقمة ومخرجاتها يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك تحقق الإرادة المصرية، وثبات المرتكزات الوطنية في إدارة الملفات الحساسة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ،مع تأكيد الريادة المصرية عربيًا وإقليميًا ودوليًا، وترسيخ مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات حالية أو مستقبلية تخص المنطقة.
وللتوضيح فإن أهم المحددات التي تبنتها مصر ونجحت في تحقيقها طوال الأزمة من خلال مواقفها السياسية والدبلوماسية واستخدام أوراق الضغط المختلفة بكفاءة وحنكة هي:
لم تسمح بتهجير الفلسطينيين.
لم تسمح بعبور أي سفن في قناة السويس دون رسوم أو بإملاءات.
لم يتم الاستيلاء على غزة بالكامل.
لم يُنتزع شبر واحد من سيناء.
لم تستطع إسرائيل تهديد السيادة المصرية أو حتى التجرؤ على ذلك.
لم تنجرّ مصر إلى أي فخٍّ يستنزف مقدراتها أو يهدد استقرارها.
ولم يُقضَ على القضية الفلسطينية كما روّج البعض.
بل على العكس، تمكنت مصر من جمع أكبر زعماء العالم مع رئيس أقوى دولة في العالم لتوقيع وثائق وتفاهمات تؤكد كل هذه “المحددات” أمام أنظار العالم والتاريخ، في مشهد يعكس قيمة الثقل المصري على الساحة الدولية.
إضافة إلى ما تضمنته محاور خطاب الرئيس ترامب في شرم الشيخ، واتفاق شرم الشيخ للسلام كإطار سياسي ودولي ملزم لكافة الأطراف المشاركة، من التأكيد على مبادئ رئيسية أهمها ضرورة إرساء السلام ، ووقف الحرب، وتبادل الأسرى والمعتقلين ، وإعادة إعمار غزة، والانسحاب الإسرائيلي من القطاع ، ووضع صياغة لإدارة شؤون القطاع بعد وقف الحرب ، مع وجود ضمانات دولية لمتابعة تنفيذ الاتفاق.
هذا هو الفارق الجوهري بين خطاب المناورة السياسية في الكنيست، وبين الإنجاز الواقعي والتأثير الحقيقي الذي قادته مصر في شرم الشيخ ، والذي أشاد به الرئيس ترامب وكافة الزعماء المشاركين في القمة ومعظم وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية ، والذي وضع المسؤولية على عاتق جميع المشاركين أمام شعوب العالم وأمام التاريخ.
لقد خاض الرئيس عبد الفتاح السيسي على رأس مؤسسات الدولة المصرية خلال العامين الماضيين إحدى أقوى المعارك السياسية والاستراتيجية في تاريخ مصر الحديث ، معركة لا تقل في أثرها الإيجابي على الأمن القومي المصري عن أثر ثورة يونيو 2013.
معركة أثبتت أن مصر كانت وستظل الرقم الأول والأهم في معادلة الشرق الأوسط، والقوة التي لا يمكن تجاوزها في كافة قضايا الإقليم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.