محمد عبد المنعم يكتب | قش الأرز..خسائر خفية وحلول عملية

0

مع قدوم موسم حصاد الأرز كل عام، يتكرر في القرى المصرية مشهد حرق قش الأرز. يعتقد الكثير من المزارعين أن حرقه هو الحل الأسرع والأكثر سهولة للتخلص منه. ولكن، هذا الاعتقاد يغفل الآثار الجسيمة التي تترتب على هذه الممارسة، والتي تمتد لتشمل مشاكل صحية وبيئية واقتصادية، بل تهدد الأمن القومي للبلاد.

عند حرق قش الأرز، تُطلق غازات ضارة مثل أول أكسيد الكربون ,ثانى أكسيد الكربون و ينتج ايضاً المواد الملوثه مثل PCDDs و PCDFs وهى مواد ينتج عن حرقها مادة الdioxin وهى ماده مسرطنة وتؤثر على الصحة العامة. تتراكم هذه المواد السامة في التربة ومياه الشرب، مما يؤثر سلبًا على المحاصيل الغذائية التي نستهلكها، ويزيد من المخاطر الصحية على المواطنين.وتشير التقارير إلى أن زيادة حالات الأمراض التنفسية والسرطانية تعود جزئيًا إلى تلوث الهواء الناتج عن حرق قش الأرز.

غير أن السحابة السوداء الناتجة عن هذا الحرق لا تؤثر فقط على الهواء الذي نتنفسه، بل تسبب أيضًا مشكلات كبيرة في حركة المرور، مما يؤدي إلى حوادث متكررة قد تؤدي إلى زهق الأرواح وتؤدي إلى أضرار جثيمة. وعلى صعيد الاقتصاد، فإن قطاع السياحة يتكبد خسائر تصل إلى مليارات الجنيهات سنويًا بسبب التلوث فقط، وهو ما يعد خسارة اقتصادية كبرى تعود بالسلب على البلاد وتؤثر على فرص العمل.

من جهة أخرى، حرق قش الأرز يسبب تدمير الكائنات الحية المفيدة في التربة، مما يؤثر سلبًا على خصوبة الأرض ويقلل من إنتاجيتها. والزراعة تعتمد على تنوع الكائنات الحية، وعند القضاء عليها، فإن ذلك يعرض الأمن الغذائي للخطر، ويزيد من الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات السوق.

وكل الحل ليس في التخلص من قش الأرز، بل في استغلاله كموارد مفيدة. يمكن استخدام قش الأرز كعلف للحيوانات، حيث تقترب قيمته الغذائية من تبن القمح، ويمكن تحسين جودته بإضافة الأمونيا. هذا الاستخدام لا يساعد فقط في توفير غذاء جيد للحيوانات، بل يقلل أيضًا من تكلفة الأعلاف، مما يعزز من دخل المزارعين.

علاوة على ذلك، يمكن تحويل قش الأرز إلى سماد عضوي بتكلفة منخفضة، مما يوفر بديلًا اقتصاديًا للأسمدة الكيميائية التي قد تكون مرتفعة الثمن. غير أن السماد العضوي يُحسن من جودة التربة ويزيد من قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، مما يؤدي إلى تحسين المحاصيل الزراعية وزيادة إنتاجيتها.

يمكن أيضًا استخدام قش الأرز كفرش لمزارع الدواجن، مما يقلل التكاليف ويوفر بديلًا آمنًا عن نشارة الخشب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة منه كغطاء طبيعي لحماية المحاصيل من الصقيع في فصل الشتاء، مما يسهم في تقليل الفقد في المحاصيل وزيادة العائد الزراعي.

وفي بعض التجارب العالمية، تم استخدام قش الأرز لإنتاج الغاز الحيوي، مما يوفر مصدرًا للطاقة النظيفة. هذه الطريقة لا تساعد فقط في التخلص من القش، بل تساهم أيضًا في توفير طاقة مستدامة وتخفف الاعتماد على الوقود الأحفوري. كما يُمكن استخدام قش الأرز في صناعة الورق والخشب، مما يعزز من قدرات الصناعة المحلية ويُقلل من التلوث.

في النهاية، ليس قش الأرز هو المشكلة، بل حرقه هو ما يمثل الخطر. من خلال استغلاله بشكل أفضل، يمكننا حماية البيئة، وتحسين صحتنا، وتحقيق فوائد اقتصادية تعزز من أمننا القومي.
وما نريده هو التغيير في طريقة التعامل مع قش الأرز وهذا يحتاج إلى توعية مستمرة من كل فرد واعٍ فينا في بلدته حيث إن كل واحد منا هو سفيرٌ في منطقته وبيئته، ونحتاج أيضًا إلى إجراءات حكومية تدعم الفلاحين في تبني هذه الحلول البديلة مما يزيد الفرص في التقدم نحو ما نتمناه كُلنا وهو وطن سالمٌ غانمٌ من كل النواحي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.