ما بين ضجيج الظلم في مكة، وسكون القلوب المؤمنة في المدينة، مشت أقدام النور تشق دربها في ليلٍ طويل، فيه نام الطغاة على وسائد الكبر، وسهر الحبيب يخطو نحو الوعد.
خرج النبي ﷺ من دياره، لا يملك سلاحًا ولا عتادًا، بل يملك يقينًا يمشي به فوق الحصى فلا يؤذيه، وتحت الشمس فلا يضلّه، وبين الأعداء فلا تمسّه يد. كانت القلوب من خلفه تبكي، لكن السماء كانت تبشر: “إن الله معنا”.
لم تكن الهجرة فرارًا، بل إعلان ولادة أمة. لم تكن انكسارًا، بل تمهيدًا للنصر. كل خطوة على الطريق إلى المدينة كانت درسًا في الإيمان، وكل دمعة وداع كانت بداية عهد جديد.
عليّ يبيت في فراشه، والصديق يصحبه في الرحلة، وابنة الصديق تتسلل إلى الغار بالطعام والأخبار، والحبيب في الغار مطمئن، والملائكة تحرسه، والعناية الإلهية تظله.
إنه مشهد لا ترسمه إلا القدرة، ولا يفهمه إلا من عرف أن الأنبياء لا يرحلون، بل يُبعثون في كل زمن بالحق، وإن غاب الجسد.
الهجرة رحلة هادينا
حمل الإسلام لنا دينا
فسلام الله إلى الهادي
والكون يردد آمينا
رحل الصديق عن الدار
في صحبة خير الأبرار
صلوات الله تباركه
ملأ الدنيا بالأنوار
الله تكفل يحميه
وعليّ أصبح يهديه
وبسر القوم الأشرار
بنت الصديق توافيه
وصل المختار إلى طيبة
والكفر تراجع في خيبة
وجنود الله تحيط به
من نور الإسلام الهيبة
بالروح سنحمي المختار
ونقاتل عن الكفّار
عهدًا لك نبايعه
جندًا لله وأنصارًا
لقد علمتنا الهجرة أن الرحيل من أجل الحق ليس خسارة، بل فوز. وأن الإنسان إذا فارق أرضه لله، فإن الله يفتح له الأرض والسماء معًا. لم تكن المدينة نهاية الرحلة، بل بدايتها. وهناك، في طيبة، ارتفعت راية لا إله إلا الله، وارتجّت قلوب الدنيا كلها.
فهل نسير على الأثر؟ أم نظل نحدق في الضوء من بعيد، عاجزين عن الخطوة الأولى؟