محمد عصام يكتب | العدو هو الروبوت

0

لو أردت قراءة هذا المقال مُنذ ثلاثين عامًا لاحتجت لأن تنزل من منزلك وتتوجه لبائع الجرائد وتشتري الجريدة التي تنشُر ذلك المقال، و لكن الآن بفضل الكمبيوتر والإنترنت أنت تجلس في منزلك مُستريحًا و تقرأ مقالي من هاتفك المحمول أو الكمبيوتر الخاص بك، و على الرغم من أن ذلك أفضل لك الآن، فإنه سيُدمر حياتك في المُستقبل القريب، فأمام كل وظيفة يتولى مسؤوليتها الكمبيوتر سواء كبرنامج إلكتروني أو كآلة صناعية ذكية (الروبوت) يتم القضاء على مئات الوظائف، مُنذ ثلاثين عامً كان هُناك جيشًا من الإداريين و المُهندسين و العمال والسائقين يتولون مُهمة تنسيق و طباعة و توزيع الجرائد و المجلات، الآن لا نحتاج لكُل هؤلاء بسبب التطور المُذهل لإمكانيات الكمبيوتر، و الأمر ينطبق على كُل المجالات و في تزايُد مُستمر لأن الشركات تستغل كُل الطُرق المُمكنة لزيادة أرباحها بدون النظر للآثار السلبية لتلك الطُرق على البشر، و بالتأكيد الآلة الصناعية الحديثة كنزًا ذهبيًا للشركات، فهي تعمل ٢٤ ساعة يوميًا بإمكانيات تتفوق على البشر، و بدون مُطالبة بزيادة المُرتب، أو رغبة في إجازة للاستراحة أو حل مشاكلها العائلية.
المُستقبل ليس ورديًا، فوفقًا للدراسات العلمية التي تم إجرائها بواسطة مؤسسات علمية و دولية مرموقة مثل جامعة أوكسفورد و البنك الدولي، فإن التطور المُستمر و المُذهل لإمكانيات الكمبيوتر سيقضي على ٤٧٪ من الوظائف في الولايات المُتحدة الأمريكية خلال العشرين سنة القادمة، و تزيد النسبة إلى ٥٤٪ في دول الاتحاد الأوروبي، و٦٩٪ في الهند، و٨٥٪ في أثيوبيا خلال نفس المُدة الزمنية، والحجة القائلة بأن التقدم التكنولوجي يخلق وظائف جديدة مُساوية لما يقضي عليه من وظائف برهنت على خطئها، فالتقدُم التكنولوجي يخلق وظائف أقل بكثير مما يقضي عليه، كما أن تلك الوظائف تتطلب قُدرات عقلية متوفرة لعدد قليل من البشر، فليس بإمكاننا جميعًا أن نُصبح مُهندسي كمبيوتر أو مُبرمجي برامج إلكترونية.
ما هو الحل إذًا؟ هل نحرم أنفُسنا من خيرات التقدُم التكنولوجي؟! بالتأكيد لا، فحياتُنا الآن أفضل مئات المرات من حياة أجدادنا بسبب ثمرات التقدُم التكنولوجي، ولكن كذلك التطرُف في استخدام تطبيقات التقدُم التكنولوجي سيكون مُدمرًا لحياتنا، إذا الحل الأفضل هو الاعتدال، أي استخدام مُنجزات التكنولوجيا بنسبة لا تؤذينا، وفي حالة قضاء الكمبيوتر على وظائفنا، فإن الأنسب أن تتخذ الحكومة إجراءات وقائية لحمايتنا من شروره، ويكون ذلك بفرض غرامة مالية مُرتفعة على الأتمتة.
الأتمتة هي استخدام الآلات الصناعية الحديثة في عمليات الشركات الإنتاجية بدلًا من البشر)، ومن شأن ذلك تقليل رغبة الشركات في الأتمتة، فما ستوفره من تكاليف الإنتاج بسبب الآلات الحديثة، ستدفع أكثر منه كغرامة مالية للحكومة، أي أن التطرُف في استخدام تطبيقات التقدم التكنولوجي سيُمثل خسارة لها وليس ربحًا، وفي حالة إصرار أي شركة على أتمتة عملياتها الإنتاجية، فإن الحكومة تستطيع تحمُل دفع تعويضات لموظفيها الذين سيفقدون عملهم من خلال الغرامة المالية التي ستدفعها الشركة.
يُفضل أن تُحدد الحكومة مِقدار الغرامة التي تدفعها الشركة وفقًا للصناعة التي تتبعها، فمثلًا يكون مِقدار الغرامة مُرتفعًا على الصناعات التي لا تُسبب ضررًا جسديًا أو نفسيًا للبشر (مثل التعليم والبنوك والمُنتجات الغذائية والمنسوجات والنقل)، ويكون مُنخفضًا على الصناعات المُضرة جسديًا للبشر (مثل صناعة بعض المُنتجات الكيميائية واستخراج الفحم) وذلك لتوفير وظائف أكثر أمانًا للبشر، وبذلك نستطيع التمتُع بمُنجزات التكنولوجيا الحديثة بدون تدمير مُستقبلنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.