محمد عصام يكتب | القيادة السياسية وموارد الدولة
هل تتوقع أن دولة تمتلك أقل من نصف بالمائة من الاحتياطات العالمية للبترول، وواحد بالمائة من الاحتياطات العالمية للغاز الطبيعي، وتأتي بالمرتبة الـ٦٥ عالميًا من حيث عدد الأراضي الزراعية بها أن تكون قوة اقتصادية وسياسية جبارة تتحكم في مصير العالم؟ بالتأكيد لا! إن الإمكانيات الجُغرافية لمصر تُمثل قيودًا على سياساتها على مر العصور سواء كانت تخص التنمية الاقتصادية أو التأثير في قرارات القوي الدولية الكُبرى.
تُعتبر الموارد الطبيعية للدولة أحد أهم عوامل التنمية الاقتصادية و التأثير في العلاقات الدولية خاصة إذا كانت تلك الموارد نادرة و حيوية للدول الأخرى (مثل البترول والغاز الطبيعي ومعادن الأرض الثمينة كالذهب والفضة)، وخير مثال على ذلك هو تردد الدول الأوروبية في التصدي المُباشر لأفعال الرئيس الروسي “بوتين” خوفًا من خسارة إمدادات الطاقة الروسية من بترول و غاز طبيعي، و للأسف تُعتبر مصر دولة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية، فكما ذكرنا في بداية المقال تمتلك مصر أقل من نصف بالمائة من الاحتياطات العالمية للبترول و واحد بالمائة فقط من الاحتياطات العالمية للغاز الطبيعي، و تأتي في المركز الـ٦٥ عالميًا من حيث عدد الأراضي الزراعية، و على الرغم من امتلاك مصر لنسبة جيدة من معادن الأرض الثمينة، إلا أن النسبة لا تكفي للتأثير في قرارات القوي الدولية الكُبرى.
هذا على العكس من إمكانيات القوي الدولية الكُبرى، فمثلًا تمتلك روسيا ٥٪ من الاحتياطات العالمية للبترول و ٢٤٪ من الاحتياطات العالمية للغاز الطبيعي و تأتي في المركز الرابع عالميًا من حيث عدد الأراضي الزراعية، و هو الأمر الذي يُمكنها من فرض إرادتها على الدول الأوروبية خوفًا من فقدان إمدادات الطاقة و الغذاء، و حتي مصر أفقر من جيرانها في الخليج (كمثال تمتلك السعودية ١٦٪ من الاحتياطات العالمية للبترول و ٤٪ من الاحتياطات العالمية للغاز الطبيعي، و تمتلك قطر ٥٪ من احتياطات البترول و ١٢٫٥٪ من احتياطات الغاز الطبيعي)، و هو الأمر الذي مكن تلك الدول من إحداث تنمية اقتصادية هائلة و تأثير في القرار السياسي الدولي مثلما حدث في حرب أكتوبر ١٩٧٣م عندما منعت دول الخليج إمدادات الطاقة عن الدول المؤيدة لإسرائيل دعمًا لمصر و لسوريا.
بالطبع تمتلك مصر قناة السويس و نهر النيل الخالد و شواطئ البحر الأحمر و البحر الأبيض المتوسط، و لكن للأسف تلك الإمكانات الجغرافية تأتي بمساوئها، فاستخدام قناة السويس كسلاح سياسي و منع الدول الأخرى من المرور بها عقابًا لمصر في حد ذاته، فمصر ستخسر الدخل المالي الهائل لقناة السويس (٥ مليار دولار سنويًا)، كما سيُعتبر ذلك إعلانًا للحرب ضد القوي الدولية الكُبرى (مثلما حدث في حرب ١٩٥٦م عندما أمم “جمال عبد الناصر” قناة السويس و أنهي النفوذ البريطاني في القناة)، و بالنسبة لنهر النيل فمصر دولة مصب و ليست دولة منبع، أي هُناك دول أفريقية تسبقنا في الاستفادة من نهر النيل و تستطيع التحكُم في وصول المياه إلينا. أما شواطئ البحار بإمكانياتها الاقتصادية (القُري السياحية والثروة السمكية) فلا تُمثل ميزة قوية لمصر، فتنتشر الشواطئ بثرواتها في عشرات الدول الأخرى.
هذا لا يعني أنه ليس هُناك أمل في التنمية الاقتصادية أو زيادة التأثير الدولي لمصر، فخطط توطين الصناعات والاكتفاء الذاتي من المواد الخام الزراعية والصناعية، والاتفاقات التُجارية مع الدول الأخرى أثبتت كفاءتها في تقوية الاقتصاد المصري على مدار الثمانية سنوات السابقة، ولكن بواقعية التأمل في إمكانياتنا الاقتصادية نستطيع وضع أهداف تتوافق معها، وتمُكننا من التقييم العادل لمجهودات القيادة السياسية حتى لا نظلمها بتوقع نتائج سياسية واقتصادية لا تتوافق مع إمكانياتُنا الجُغرافية المحدودة.