محمد عصام يكتب | انقراض العُمال

0

توقع تقرير لبنك “جولدمان ساكس” أن يفقد ٣٠٠ مليون شخص وظائفهم بسبب الذكاء الصناعي خاصة في ظل انتشار روبوتات المحادثة الذكية مثل “شات جي بي تي”، البرنامج يستطيع الإجابة على آلاف الأسئلة والبحث عبر شبكة الإنترنت وغيرها من المهام المعقدة التي كانت حكراً سابقاً على البشر فقط، ولم يكن البرنامج الهجمة الأولى من الذكاء الصناعي على البشر، فهناك حرب دائرة مُنذ قرنين بين البشر والآلة لخوفنا من فقدان وظائفنا بسبب قوة وكفاءة الآلات.
كانت الحرب في بدايتها تُمثل خطراً فقط على العُمال الُبسطاء المُعتمدين على قوتهم الجسدية، ولكنها امتدت الآن لتُمثل خطراً ايضاً على كافة المهن ذات المكانة المرموقة في المجتمع والمُخصصة للأذكياء مثل المهندسين والمُحللين الاقتصاديين والكُتّاب وحتى الأطباء فالآن توجد روبوتات ذكية قادرة على إجراء أعقد العمليات الجراحية، فإذا كانت فُرص حصول البشر على وظائف تُصبح مُستحيلة أكثر فأكثر فما مخاطر ذلك علينا؟

بديهياً أن يكون الكساد الاقتصادي على قمة تلك المخاطر، فالتوقعات تُشير إلى فقدان أكثر من ٥٠٪ من الأمريكيين والأوروبيين لوظائفهم بسبب الذكاء الصناعي، والرقم يرتفع أكثر في الدول النامية، وفقدان البشر لوظائفهم تعني عدم قدرتهم على شراء المنتجات والخدمات وبالتالي فقدان الشركات لإيراداتها، أي دخول المُجتمع في حالة كساد اقتصادي مرير يؤدي منطقياً إلى ثاني أهم المخاطر وهو عدم الاستقرار السياسي، فمئات الملايين من الجوعي سيثورون ضد أنظمة الحكم التي لم تتحرك لإنقاذهم ورُبما يُمثل الأمر بيئة خصبة لعودة الأفكار الاقتصادية المُتطرفة وعلى رأسها الشيوعية، وحتى لو تم توفير إعانات مالية للعاطلين عن العمل (وهو أمر مُستحيل لأن أعدادهم ستفوق مئات الملايين) فستكون الأمراض النفسية هي العدو الجديد للبشرية، فالعمل ليس مصدراً للمال فقط، فهو ايضاً مصدراً هاماً لثقة البشر في أنفسهم وعنصراً هاماً في اعطائهم معنى لحياتهم. كما أن العمل يُمثل مُتنفساً للمشاعر الإنسانية المكبوتة، وهو أمر أكده تزايُد حالات العُنف الأسري في ظل حظر وباء كورونا.
إذا كان الأمر في تلك الخطورة فما الحلول التي يُمكن للحكومات أن تُنفذها لتحمينا بها من غزو الذكاء الصناعي وفي نفس الوقت تُمكننا من الإستفادة بمحاسنه والتي لا نستطيع الإستغناء عنها؟

أولى تلك الحلول أن تُشرع الحكومات قانوناً يُلزم الشركات بأن يكون اليشر مسئولين عن ٩٥٪ من إنتاجها على الأقل سواء باستخدام قُدراتهم العقلية (مثل التحليلات الاقتصادية ووضع الخطط الإستراتيجية وتنفيذ الأعمال الإدارية) أو باستخدام الآلات الصناعية الخالية من الذكاء الصناعي (أي التي يستخدمها العُمال)، ويقتصر استخدام برامج الذكاء الصناعي على ٥٪ فقط من الإنتاج تتمثل في المهام المُعقدة مثل إجراء المعادلات الرياضية والفيزيائية المعقدة وتوقع السيناريوهات الاقتصادية المُستقبلية.
أما ثانيها فهو أن تُقدم الحكومات حوافز مالية مثل المنح المالية والإعفاءات الضريبية والقروض المالية المُيسرة للشركات التكنولوجية والصناعية لحثها على استخدام قُدرات عُلمائها وقُدرات الذكاء الصناعي في مشروعات بحثية تخدم البشرية حقاً مثل علاج الأمراض وحل مُشكلتي نقص الطعام والماء لمئات الملايين وسبُل التكيُف مع التغيُرات المُناخية.

غزو الذكاء الصناعي هو الخطر الأهم في عصرنا الحالي.. لابدُ من اتخاذ موقف.. لابُد من حل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.