محمد عصام يكتب | مشروع مارشال وإنقاذ الدول العربية

0

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945:1939) عانت الدول الأوروبية من التدهور الاقتصادي بسبب الإنفاق العسكري أثناء الحرب و تدمُر البنية التحتية، و على الرغم من أن الولايات المُتحدة الأمريكية أصبحت الدولة الأقوى في العالم بعد الحرب و تحسن اقتصادها بسبب أرباح مبيعات الأسلحة العسكرية، فأن الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” أيقن أن التدهور الاقتصادي هو بيئة خِصبة لنمو التطرف سواء السياسي (مثل نازية “هتلر”) أو الديني (مثل الإرهاب الصهيوني في فلسطين) أو الاقتصادي (مثل اشتراكية الاتحاد السوفيتي)، لذلك دعمَ مشروع مارشال و الذي تضمن قروض مالية مُيسرة و مِنح مالية للدول الأوروبية المُتأثرة اقتصاديًا بسبب الحرب.

كان نجاح مشروع مارشال ساحقًا، فقد استطاعت الدول الأوروبية تحسين ظروفها الاقتصادية و توفير حياة كريمة لمواطنيها، و نتيجة لذلك تم احتواء توسع الفكر الاشتراكي للاتحاد السوفيتي، و لم تظهر أي تطرُفات سياسية أو دينية، وتحسنت العلاقات الدولية بين الدول الأوروبية مما أثمر بعد عدة سنوات إنشاء الاتحاد الأوروبي، و بالطبع استفادت الولايات المُتحدة الأمريكية من مشروع مارشال، فالقروض و المنح المالية ضمت شروط تضمن عقود تُجارية للشركات الأمريكية للمُساهمة في إعادة إعمار الدول الأوروبية، أي أن مشروع مارشال كان مكسبًا للطرفين، كسبت الدول الأوروبية إعادة بناء اقتصاداتها، وكسبت الولايات المُتحدة الأمريكية النمو الاقتصادي بسبب أرباح شركاتها من إعادة الإعمار الأوروبي واحتواء توسع الاتحاد السوفيتي في القارة الأوروبية.
هذا النجاح يجب أن يكون دافعًا للدول العربية المُستقرة سياسيًا واقتصاديًا (مثل مصر و دول الخليج العربي) لإعادة تنفيذ ذلك المشروع لإنقاذ الدول العربية ذات الظروف الاقتصادية و السياسية المُتدهورة (مثل العراق ولبنان وتونس)، فتقديم قروض مُيسرة و منح مالية لتلك الدول المنكوبة بالتعاون مع القوى الدولية (مثل الولايات المُتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي والصين والبنك الدولي) سيُساهم في تحسين الظروف الاقتصادية تلك الدول و إعادة بناء جهازها الإداري والأمني، وفي بيئة مُزدهرة اقتصاديًا وآمنة ستتحسن ظروف المواطنين الاقتصادية و النفسية، مما يؤدي إلى عدم انضمامهم لأي تيارات مُتطرفة سواء سياسية أو جماعات إرهابية دينية، و هذا يعني مكاسب سياسية واقتصادية للدول العربية المانحة للقروض، فسوف تحمي أرواح جنودها وتوفر الإنفاق العسكري اللازم للقضاء على عُنف الجماعات الإرهابية، وستنمو القطاعات الاقتصادية التي تتأثر سلبًا بالإرهاب مثل القطاع السياحي وقطاع النقل التُجاري، كما ستنمو اقتصادات الدول العربية المانحة بسبب ازدياد صادراتها التُجارية للدول العربية التي تم إنقاذها من التدهور الاقتصادي و السياسي (مثل الصادرات الصناعية و النفطية و الإيرادات السياحية)، أي أن مُساعدة الدول العربية المنكوبة هو ضمانة استمرار الاستقرار السياسي و الاقتصادي لباقي الدول العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.