محمد عمارة تقي الدين يكتب | الصهيونية والنازية.. توأم حضاري

0

فالحقيقة أن هتلر هو من أعطى الحركة الصهيونية قبلة الحياة، فلولا ما ارتكبه من بشاعات لما توجه يهود أوروبا بهذا الكم إلى فلسطين ولاندمج أغلبهم في المجتمعات الأوروبية، ومن ثم فشل ذريع للإستراتيجية الصهيونية.
يرى البعض أن العامل المشترك بين النازية والصهيونية هو كراهية الآخر، كل الآخر، مقابل المبالغة في تمجيد الذات، وهم مُحِقّون في ذلك إلى حد بعيد، لكن هذا ليس كل شيء.
فالغوص في أكثر مستويات التحليل عُمقًا هو أمر من شأنه أن يُخبرنا أن كلتا الأيديولوجيتين(النازية والصهيونية) تُعدان توأمان فوتوغرافيان بشكل مخيف.
فقط ما يُفرقهما هو اتكاء الصهيونية على عقائد دينية استطاعت ليّ عنقها وتسخيرها لحشد الدعم لأيديولوجيتها ذات النزعة العنصرية الغارقة في عنفها، ومع ذلك فهناك من يحلو له الحديث عن وجود نزعة دينية كامنة داخل الأيديولوجية النازية وفي عمق نسقها الفكري، حيث إضفاء القداسة على كل من الزعيم والأرض والشعب.
كلتاهما(الصهيونية والنازية) ابنتا الحضارة الغربية، فمن رحمها خرجتا، ومن فلسفتها المادية انبثقتا بكل حمولتها النفعية الموغلة في لا إنسانيتها، حيث البقاء للأقوى، وأن قانون الحياة هو : حيتان كبيرة تلتهم أسماكاً صغيرة ولا مجال للشفقة أو الرحمة الإنسانية.
كما أن الصهيونية والنازية، لم يكونا أعداء يومًا ما، كما ادعت بعض المراجع التاريخية التي تناولت الأمر بشيء من السطحية، بل تعاونا من أجل تحقيق هدفهما المشترك، وهو إخراج اليهود من أوروبا، سواء أكان خروجًا اختياريًا أم جبريًا، فلولا القدر الهائل من العنف النازي ما توجه اليهود بهذه الأعداد الكبيرة لفلسطين ولربما سقط المشروع الصهيوني في هوّة العدمية.
أن الإثنين (النازية والصهيونية) أسهمتا في إحداث دمار مادي وروحي هائل لليهود: النازية على المستوى المادي، والصهيونية على المستوى الروحي، وهو ما يؤكده اليهود من غير الصهاينة، يقول الحاخام أمنون يتسحاق:”إذا كان هتلر قد حطَّم الشعب اليهودي جسديًا، فإن هرتزل حطَّمه روحيًا”، فالصهيونية عمدت إلى تفريغ الدين اليهودي من كل أبعاده الروحية لينتهي به الحال كأيديولوجية قتل وإبادة.
كلتاهما(الصهيونية والنازية) اعتمد إستراتيجية من خطوتين: القتل أو الترحيل لأناس كانوا مستقرين في أوطانهم ولم يكونوا يومًا ما أعداء مقاتلين لهم، اليهود (في المثال النازي)، والشعب الفلسطيني (في المثال الصهيوني).
فمثلما لجأ النازيون للإبادة الجماعية لأعراق أخرى فعل الصهاينة ذات الشيء، يقول المفكر اليهودي توم سيجيف (Tom Segev): ” تعد الإبادة الجماعية واحدة من أهم الذرائع التي اختلقتها الصهيونية لإنشاء دولة إسرائيل تماماً مثلما الوعد الإلهي في التوراة”.
والحقيقة أن المجازر وجرائم الإبادة لعنصر من البشر داخل كلا النسقين(النازية والصهيونية) على بشاعتها مبررة تمامًا باعتبارها الآلام التي تسبق مرحلة المخاض (الولادة)، فلا بد منها إذن، ولا بديل عنها، بل هي بشارات وإرهاصات الخلاص الديني/العلماني وتحقق الفردوس الإلهي/البشري على الأرض.
هنا مجتمع وجنة السوبرمان( في الحالة النازية)، وهناك مجتمع وجنة ما بعد الخلاص أو العصر المسيحاني (في الحالة الصهيونية).
هنا شعب يهودي مُختار تجري في عروقه دماء مقدسة والتاريخ يتشكل من أجله، وهناك شعب ألماني متفوق تجري في عروقه دماء زرقاء وعليه عبء إنقاذ البشرية من واقعها المرير عبر القتل الرحيم لكل من يعطل مسيرتها تلك.
وتتحدث الكثير من المراجع عن تأثر هرتزل الكبير بأطروحات الحضارة الألمانية المُمجِّدة للقوة، وهو ذات النبع الذي استقى منه هتلر أفكاره.
يرى روجيه جارودي أن الصهيونية ليست ابنة اليهودية بل مثلها مثل النازية هي ابنة النزعة القومية والاستعمارية الأوروبية في القرن التاسع عشر، ومن ثم فإسرائيل هي ابنة مشروع الحداثة، هي منتجه الأكثر رداءة، مثلما النازية تمامًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.