محمد عمارة تقي الدين يكتب | نحو إعلام ديني أكثر تراحمية (2-4)

0

لقد تحول الفضاء الإعلامي بشقه الديني وكما يؤكد البعض من ساحة للتواصل والتسامح إلى منصة للاختلاف والتحريض والصراع، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، وتورطه في قضايا هامشية ومن ثم استهلاك وقت المشاهدين في أمور ثانوية وإبعاده عن همومه وقضاياه المركزية، كما جرى خلط ما هو ديني بما هو سياسي بشكل كبير، حيث تحوّله لخطاب أيديولوجي سياسي مغلق متناسيًا رسالته القيمية في رحابتها وإنسانيتها.

كما سعى إلى تعظيم الذات وتنزيهها عن كل نقص في مقابل تشويه الآخر وصولًا لتكفيره، وكما يؤكد أحد المتخصصين فقد:” تحولت الفضائيات الدينية إلى ساحة حرب بين الإسلاميين والليبراليين، والشيعة والسنة، والصوفية والسلفية، والمسلمين والمسيحيين”، بل وأوشكت المجتمعات على أن تصبح جزرًا منعزلة فاقدة لتلاحمها المجتمعي.

ناهيك عن إشكالية غياب المهنية في الإعلام الديني، وممارسة الدعاية السوداء وطرح الرؤى الظلامية دون أدنى محاولة لبث الأمل في نفوس المتابعين، والتنكر لمبادئ الديمقراطية والمواطنة وحقوق المرأة ومهاجمة الفنون بأنواعها اعتمادًا على فقه قديم تجاوزه الزمن، فضلًا عن المصادرة على الآخرين، فها هي إحدى القنوات وقد رفعت شعار (قناة تأخذك إلى الجنة) وكأنها صكوك غفران تمتلكها القناة وحدها.

كما أن الهدف المركزي لغالبية تلك المنصات الإعلامية هو السعي للربح المادي فقط، لذا شهدنا تحول بعض القنوات الغنائية إلى قنوات دينية حيث جذب المزيد من الإعلانات، وإتاحة ما يسمى بالهاتف الإسلامي، ورسائل المحمول مدفوعة الأجر على الشاشة وغيرها.

ومن ثم ساهمت في إنتاج واقع مُفعم بالمادية النفعية والصراع، دون أن يعبأ بما حدث من تآكل للقيم المجتمعية ومحاولة ترميمها بقيم دينية ذات نزعة إنسانية، وها هي قنوات الرقية والسحر وغيرها وقد غزت فضاءات العالم العربي.
لقد قاد فقدان المصداقية وعدم التطوير ومواكبة مستجدات العصر للعزوف عن الدعاة الجدد بعد أن كانوا ملىء السمع والبصر.
وبالمجمل فقد تم عبر هذا الإعلام حقن شرايين المجتمع بجرعات عالية من الكراهية وتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية، وهو ما قاد الكثيرون إلى النفور منه، ومن ثم أضحت مقولة توفيق الحكيم: “المسئول عن انهيار مملكة السماء هم رجال الدين أنفسهم” أكثر تعبيرًا عن هذا الواقع.

إن تحليل لغة الخطاب الديني الذي تبثه تلك الوسائل الإعلامية، هو أمر من شأنه أن يقودنا لنتيجة مفادها: أنه متطور بعض الشيء على مستوى الشكل غير أنه متخلف ورجعي على مستوى المضمون.

كل هذه السلبيات قادت إلى تراجع تأثير الإعلام الديني، وأفول سريع له، فهو حقًا إعلام الفرص الضائعة، فقد كانت لديه فرصة كبيرة بعد ثورة يناير في بلورة ملامح رؤية حضارية للإسلام إلا أن ما حدث هو العكس حيث تصاعد خطاب الكراهية والتفرقة وتأجيج الصراعات السياسية والدينية والمذهبية.

أقول أن كل هذه السلبيات حدثت من أغلب المنصات الإعلامية الدينية وليس جميعها، إذ أن هناك البعض منها وقد قدم رسالة جيدة، ونعتقد أنها الآن في طور عملية التصحيح الذاتي عبر تراكم الخبرة.
والسؤال الآن: كيف يمكن الخروج من هذا المأزق الذي وضع الإعلام الدينى نفسه فيه؟ هل نترك المشاهد أو المتلقي نهبًا لإعلام رجعي؟ أم أن نسعى لتطوير إعلام ديني حقيقي؟
بدايةً، علينا أن نعترف أن أزمة الإعلام الدينى، هى جزء من أزمة أكبر يعاني منها الخطاب الديني حيث افتقاره لمشروع حقيقي للتجديد، ومن ثم أضحى الإعلام الديني جزءًا من المشكلة دون أدنى محاولة منه لحلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.