محمد عمارة تقي الدين يكتب | نحو إعلام ديني أكثر تراحمية (3-4)

0

حقيقةً أن الإعلام هو صناعة ثقيلة بكل ما تحمله الكلمة من مضمون، وأن لديه المقدرة على أن يحمل مشروعًا حضاريًا ذو مرجعية دينية قيمية إنسانية لهذا العالم إذا ما حسن توظيفه، أي أن تكون غايته هي بناء الإنسان الذي هو فرد الحضارة، من هذا المنطلق فإن أي إعلام إنساني أو قيمي هو إعلام ديني بالضرورة.

ولتكن البداية بالشروع في بلورة استراتيجية ورؤية شاملة حول موقعنا من العالم والتحديات التي نواجهها، وسبل الاشتباك معها وكذلك بلورة رؤية للذات وللآخر في آن.

وفي يقيني أن الإعلام الديني يجب أن يتحرك على مستويات ثلاثة، على أن يصب جُلَّ اهتمامه على المستوى الأخير:
المستوى الميتافيزيقي: مواجهة الإلحاد فكريًا مع ضمان احترام حرية المعتقد.
مستوى العبادات: أي كيفية أداء الطقوس الدينية مع التيسير لا التعسير.
مستوى المعاملات: تأكيد قيم التعايش والتسامح والمواطنة وعمران الأرض وقبول الآخر واحترام حرية الضمير وغيرها.

يرى أحد المتخصصين أن القواعد التي يجب أن يتبعها الإعلام الديني هي:” التيسير لا التعسير، والاهتمام بالحقيقة والجوهر دون الشكل والمظهر، والانتقال من الكلام والجدل إلى العطاء والعمل، ومن العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية، ومن الجمود والتقليد إلى الاجتهاد والتجديد، ومن التعصب والانغلاق إلى التسامح والانطلاق”.
وهي أمور تتطلب الشروع في وضع ميثاق شرف إعلامي للإعلام الدينى ليحدد الأطر العامة التي عليه اتباعها على أن يتسامى قيميًا بما يتفق وما تطرحه الأديان.
كما أن عليه المعادلة والموازنة بين تناول القضايا والموضوعات المعاصرة بأسلوب بسيط ليصل للعامة وبين الحفاظ على مستوى راق للخطاب الدينى.
والإلتزام بالدقة فى انتقاء اللفظ وكذلك أسلوب المناقشة، فالكل يريد من رجل الدعوة أن يكون مثالًا ولا يتسامح المجتمع مع أخطائه بسهولة.
الشروع في إنتاج برامج دينية هادفة وجذابة يتم تقديمها للطفل والشاب والأسرة، وبخاصة الدراما الدينية وتحديدًا التي تستهدف الأطفال.

وتطوير لغة الخطاب الديني الذي تستخدمه هذه المنصات الإعلامية بما يتفق وتطورات العصر، والابتعاد عن أي محاولة لتسييس المؤسسات الدينية، والاضطلاع بدورها في تعزيز وإقرار السلم الأهلي، واتباع منهج الموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن، ومواجهة المادية، واستشراء النزعة الاستهلاكية، والنفعية الفردية وغيرها.

على أن يجري مخاطبة ملكة النقد والتفكير الحر والتساؤل دون التلقين الذي لم يعد مُجديًا في هذا العصر، كذلك تجاوز الخطاب العاطفي إلى خطاب عقلاني واقعي.
واتباع استراتيجية المبادرة بالفعل على مواقع التواصل الاجتماعي حيث نشر فتوى ورؤى التسامح دون أن نقبع في موقف المدافع دائمًا وأبدًا.
كل هذا مع أهمية وجود مؤسسات بحثية متخصصة لتقييم المحتوي الإعلامي الذي يجرى عرضه وإبداء الملاحظات بشأنه، وقياس رجع الصدى لهذا المحتوى، مع بلورة روؤى لخطط إعلامية مستقبلية.
غير أن الأمر المركزي هنا هو حاجتنا الملحة لمنصات إعلامية دينية يجري بثها باللغة الإنجليزية، تلك اللغة الأكثر انتشارًا، لتبصير الآخر بمخزون التراحم والتسامح والتعايش النائم في عمق النسق الديني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.