محمد فؤاد البري | القناة بين تجارب الماضي وأخطار الحاضر (1-2)

0

تُعد قناة السويس، من أهم وأطول الممرات الملاحية في العالم، حيث يمر عبرها 10% من حجم التجارة العالمية، وتتحكم فيها مصر من الجانبين، على عكس الممرات الملاحية الأخرى التي تتنازع عليها أكثر من دولة، مثل مضيق هرمز أو باب المندب وجبل طارق، أو حتى قناة بنما، التي تخضع للسيادة الأمريكية بطريقة غير مباشرة.
كما تُعد قناة السويس مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية في مصر، وظلت تمثل المورد الثالث من حيث القيمة بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية.
قناة تفصل بين قارتين، وتربط بين بحرين، بل تربط بين الجنوب والشمال، والشرق والغرب. القناة التي رفض فكرتها محمد علي باشا، قائلًا: “لا أريد بَسفورًا جديدًا في مصر”، ونفذ فكرتها حفيده سعيد باشا، وحفرها المصريون تحت إشراف الفرنسيين، واحتكرها الإنجليز، ثم أممها عبد الناصر، وأعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي حفرها وتوسعتها. هذه القناة، التي واجهت تحديات عظيمة منذ بداية تأسيسها، حيث قُتل أكثر من 100 ألف عامل مصري أثناء حفرها، ما زالت تواجه مخاطر مستقبلية.
“قناة السويس، تحقق أعلى إيراد سنوي في تاريخها بقيمة تقترب من 9 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023″، بناءً على هذا الخبر، قد يظن البعض أن دخل القناة السنوي، يُعد رقمًا مؤثرًا في خزينة الدولة، لكن عند النظر إلى دول الجوار، نجد المعادلة مختلفة تمامًا. فمثلًا، تجني السعودية مليار دولار يوميًا من النفط، حيث بلغ متوسط صادرات النفط في السعودية 9 ملايين برميل يوميًا، وفقًا لإحصائيات أوبك في يناير 2023.
بمعنى أن دخل قناة السويس في سنة بالكاد يعادل دخل السعودية في أسبوع، إلا أن للقناة أهمية معنوية أخرى لمصر، بعيدًا عن أهميتها الاقتصادية، وهي أنها تشكل ورقة ضغط على العالم في أوقات الأزمات، بما يعزز من أهميتها الاستراتيجية.
لا شك أن العلاقة بين بترول الخليج وقناة السويس، هي علاقة حتمية اقتصاديًا وتجاريًا. ومؤخرًا، ظهرت تحديات عديدة في حركة الملاحة العالمية، قد تُهدد دور القناة، من أبرزها:
1. الناقلات العملاقة.
2. إمدادات خطوط الأنابيب الأرضية.
3. المبادرة الصينية “الحزام والطريق”.
4. التوترات الجيوسياسية في مضيق باب المندب.
بالنسبة للخطر الأول الذي كان يهدد القناة، هو ظهور الناقلات العملاقة؛ حيث تبين أن تكاليف نقل الطن باستخدام هذه الناقلات عبر رأس الرجاء الصالح، (كيب تاون)، أصبحت أقل من تكاليف نقله عبر الناقلات الصغيرة من خلال قناة السويس، حتى لو لم تُفرض على الأخيرة أي رسوم مرور على الإطلاق. هنا تكمن الخطورة؛ فعلى الرغم من فارق المسافة الكبير، الذي كان يمنح الأولوية المطلقة للقناة، انقلبت المعادلة رأسًا على عقب، وتغلبت التكنولوجيا على الجغرافيا. فالحاويات التي يزيد عرضها على 70 مترًا كانت تواجه صعوبة في المرور عبر القناة، ما دفع صناع السفن لبناء ناقلات بمواصفات خاصة وغاطس عميق، لتمكينها من عبور القناة. ومع تطور تكنولوجيا صناعة السفن العملاقة، كان من الضروري أن تتطور قناة السويس، هي الأخرى.اتجهت الدولة المصرية إلى تعميق المجرى الملاحي للقناة عدة مرات، ومن ثم تم مؤخرًا شق تفريعة جديدة بطول 35 كيلومترًا، بالإضافة إلى تعميق البحيرات المرة، لمواجهة هذا التحدي العالمي الخطير الذي يهدد مكانة القناة. انطلق هذا المشروع عام 2014، واكتمل إنجازه في صيف 2015، وتم تدشين القناة الجديدة، التي يبلغ طولها 72 كيلومترًا. أسهمت هذه التوسعة في زيادة إيرادات القناة على مدار السنوات الخمس (2016-2020) إلى 32 مليارًا و442 مليون دولار، حسب أرقام رسمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.