محمد فؤاد البري يكتب | النقاد من معرض الكتاب (٢ – ٢)

0

وفي سبيل الوضوح الفكري، وجب التفرقة بين الأدب من ناحية، ونقد الأدب من ناحية أخرى. فالأدب إبداع لا يسأل فيه المبدع عن صدق ما يعرضه على واقع الكون صدقا علميا، وحتى عندما نصف أدبا بأنه واقعي، فلسنا نعني بالواقعية هنا ما نقيسه بها في مطابقة الأقوال العلمية لواقع الطبيعة.
وأما “النقد”، فعملية “علمية” فلسفية لما نتوخاه من تحليل وتعليل، فالناقد يحلل الرواية إلى عناصرها مع أن الإبداع الأدبي ذاته بعيد كل البعد عن التحليل، فالأديب فنان حر مبدع، بينما الناقد أقرب للباحث العلمي. فحين يصدر الناقد حكمه في النهاية، فإنما يصدره بناء على سند، هو أشبه بالقوانين العلمية في تجريده وتعميمه، ثم الوصول إلى حكم نتيجة لاستعراض ما قد خلده الزمن من آثار الأدب والفن، واستعراضا يؤدي إلى استخراج ما هو مشترك في جميع الأعمال الخالدة.
والحقيقة أن أزمة اللغة، التي اندلعت في مطلع القرن، هي فقدان الكاتب شخصيته تجاه الكلمات، فهو لم يعد يعرف كيف يستخدمها، وصار يتصدى لها بشعور من الغربة مثمر للغاية، إنها لم تعد له أنها لم تعد إياه.
يكون في الكتابة أسلوب إذا عرف الكاتب كيف يسلب من نفسه سرها! فذاتية الكتابة مفقودة في الجيل الجديد لغياب الأسلوب، وهناك ثلاث خصائص للأسلوب الأدبي المميز:
أولا: الأصالة، وهي ألا يكتب الكاتب، كما يكتب غيره، وانما يكون أصيلا في نظرته وفكرته وصورته وكلمته، وثانيا: الإيجاز معتمدا على التركيز مقتصرا على الجوهر معبرا بالكلمة الجامعة. وليس من الإيجاز، أن يقص الكاتب أجنحة الخيال ويطفئ ألوان الحسن، ويترك أسلوبه كأسلوب التليجراف شديد الاقتضاب والجفاف، أما العنصر الثالث فهو التلاؤم أو الموسيقية “الهرمونية”، وتكون في الكلمة بائتلاف الحروف، وتوافق الأصوات وحلاوة الجرس، وتناسب الفقر، وحسن الإيقاع.
كان الذوق العربي، لا يزال سليما في اللغة حتى طغت العامية على الفصحى، فلما ساء تعليم اللغة، وطغى سلطان العامية، وزاحمت الفصحى في كتابة القصص والمسرحيات والروايات إلخ، وتساهل النقاد في قبول أسلوب العامية، تبلد الحس البلاغي عند جمهور القراء، حتى أصبح يستأثرون التافه، ويستحسنون القبيح.
في النهاية الأسلوب بات يمثل مشكلة فنية معاصرة، واحتار الكتاب بين ثلاث طرق للكتابة:
1- الكتابة بالفصحي.
2- تطوير الفصحى حتى توحي بمعاني وروح اللهجة الشعبية.
3- اقتباس لغة الشارع، كما هي في الحوار “العامية”.

فالطريقة الأولى كان من أنصارها العقاد، وطه حسين، بينما الطريقة الثالثة، تمثل غالبية كتاب الجيل الجديد، في حين الطريقة الثانية، تعد أكثر إبداعا، ويعتبر من روادها توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويحيي حقي.
في النهاية، يمثل معرض الكتاب ضمانة أساسية لبقاء الكتاب الورقي واقعا، رغم تهديدات ثقافة العصر الرقمي، واتجاه البعض للكتب الإلكترونية الموجزة، مثلما تضاءل جمهور قراء الجرائد والصحف الورقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.