محمد فؤاد البري يكتب | لماذا أتعاطف مع سوريا

0

هناك صلة من التعاطف التاريخي بين مصر وسوريا، ربما لتقارب المصير الوجودي من ناحية، وللتقارب الثقافي والفكري من ناحية أخرى، حتي قبل أن نصبح عربا، كانت مصر والشام تابعتين لإمبراطورية واحدة، وهي الإمبراطورية الرومانية، ثم دخلت أراضيهما إلى كيان الدولة الإسلامية الناشئة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، لتكونا أساس التوسع بعد ذلك للحدود العربية، فكانت مصر، هي رافد الانطلاق العربي إلى أفريقيا، وسوريا، هي الرافد الثاني للعروبة في آسيا.
وفي التاريخ الحديث، ارتبطت سوريا بمصر مرتين في دولة واحدة: الأولى كانت من 1830- 1840، حقبة محمد على باشا، عندما انفصل بمصر وسوريا عن الأتراك، والحقيقة أن أهل الشام رحبوا بقائد الجيش المصري حينذاك إبراهيم باشا، ولولا معاهدة لندن، وحصار الغرب، كادت أن تنتهي دولة الأتراك قبل سقوطها بقرن، وتنتقل الخلافة من إسطنبول إلى القاهرة.
والمرة الثانية، جاءت في الحقبة الناصرية من 1958- 1961، وكان التوجه عربي قومي، لمواجهة خطر إسرائيل، ربما كانت التحديات متقاربة بين البلدين، فجميع الهزائم والانتصارات مشتركة معا، ويذكرنا التاريخ بذلك، فمعظم المخاطر القادمة لمصر، كانت من جهة الشرق سواء مغول، أو تتار أو صليبيين، أو أتراك، وآخرها في العصور الوسطى عندما سقطت دمشق في مرج دابق 1516 م، سقطت القاهرة في الريدانية1517م، كذلك ارتبطت مصر مع سوريا بآخر الحروب في تاريخنا المعاصر مع إسرائيل، فكانت هزيمة 1967، والتي أصابت الأمتين معا بالانكسار والإحباط، ثم تبعها حرب أكتوبر المجيد سنة 1973، وإن كانت الحرب الأخيرة حررت سيناء، وظلت الجولان محتلة، وهذا نتيجة لاختلاف في السياسات.
وفي المجمل لمصر وسوريا تاريخ طويل، يختلف عن أي دولة عربية أخرى، بالرغم أنها ليست جارة مباشرة لمصر، فالعقبة الوحيدة، هي إسرائيل، لكي يتصل شريط العروبة بلا انقطاع، فجزء من نهر الفرات، يجري في سوريا والنيل في مصر، ومخطط إسرائيل، أن تتوسع حدودها، لتكون بين النهرين.
بعد أن ركزت إسرائيل على ضرب البنية التحتية لسوريا أول من نددت بين الدول العربية هي مصر، وجاء في بيان رسمي في خطاب وزارة الخارجية المصرية: “أدانت مصر بأشد العبارات الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية داخل الأراضي السورية، وتعمد قصف وتدمير العديد من المواقع والقواعد والأسلحة والمعدات والأنظمة العسكرية في مختلف أرجاء سوريا، وتجدد مصر رفضها الكامل لاستغلال إسرائيل الانشغال الداخلي بسوريا، لتقويض مقدرات الدولة واحتلال الأراضي السورية، وطالبت مجلس الأمن والمجتمع الدولي بضرورة احترام وسيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية”.
ويكفي أن ترى التعاون الفني والأدبي بيننا وبينهم، والذي يعبر أكثر من التعاون العسكري والسياسي عن حالة الألفة بين الشعبين العريقين، فكان نزار قباني يكتب، وحليم يغني، وفريد الأطرش يلحن، وشادية تغني، ومحمد صفاء عامر يؤلف، وجمال سليمان يمثل، إلخ، وكأنهم خلقوا من أجل بعضهم البعض، وعندما تم قصف الإذاعة المصرية، نتيجة العدوان الثلاثي 1956م، قال المذيع السوري الشاب عبد الهادي بكار بإحساس عفوي صادق “من دمشق هنا القاهرة”، تضامنا مع مصر بدلا من أن يقول إذاعة الجمهورية السورية من دمشق. بل آخر رئيس وزراء لحكومة سوريا محمد الجلالي، ارتبطت شهادته الجامعية بمصر، حيث حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من كلية الهندسة جامعة عين شمس، كما أن هناك ضواحي في دمشق تشبه شوارع القاهرة كثيرا، ولا توجد مدن في العالم العربي، تضاهي تاريخ وعراقة دمشق والقاهرة، لا أبالغ أن قلت إن العروبة دون مصر وسوريا، تفقد أكثر من نصف وزنها السياسي، وأكثر من 80 % من وزنها الثقافي والحضاري.
ورغم الثراء المعنوي والفكري للشعبين المصري والسوري فإنهم يعانون من قلة الموارد الطبيعية، مقارنة بدول عربية أخرى، وانخفاض مستوى دخولهم، ولكنهم إن كانوا ماديا يعانون، إلا أنهم أغني الشعوب العربية لما يمتلكونه من رصيد ثقافي وفني وأدبي، لا وجود له في أي دولة خليجية أو عربية أخرى، وما يمتلكونه من قوة ناعمة، لا يمكن أن تشتريه أية قوة نفطية، أو كما يقول الشاعر “هي أشياء لا تشترى”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.