محمد فؤاد البري يكتب | ماذا تريد مصر من التعليم ؟(2-2)

0

وليس أطالب بإلغاء وزارة التعليم في مصر مثلما طالب الرئيس الأمريكي ذلك من بلاده، وانما‌
أطالب بتغيير النظرة التقليدية والبيروقراطية في نظامنا التعليمي وجعله أكثر انتقائية، أطالب‌
بتخفيف الضغط ومعرفة طريق الابداع.. ففي مدارسنا الحكومية وداخل كل فصل مدرسي طلاب‌
مشاغبون يخربون على معلمهم وأقرانهم بيئة التعلم الصحيحة طيلة العام الدراسي، وعددهم‌
يزداد عام بعد آخر.. فماذا نفعل تجاه هؤلاء؟ نقدم لهم منحة أخرى وهي ” الدور الثاني” بعد ذلك‌
ينجحون ويمرون وهكذا.. وفي أسوء الأحوال يحصلون على شهادة الثانوية من التعليم الفني!
ليس من دواعي السرور أن تفتخر كل مدرسة بارتفاع نسبة النجاح فيها لأن الجميع يعلم انه حكم‌
غير صادق. وليس هذا مؤشراً على تفوق الطلاب وانضباط المدرسة. وان استخدمت المدرسة‌
إجراءات حاسمة والتزمت بالحيادية في القياس والتقييم سيزداد أعداد الراسبين من التعليم أعداد‌
الناجحين انهم يقدرون بالملايين..
من المؤسف هنا أن في هذا المناخ الغير صحي الطالب المبدع الهادئ يكره المدرسة ويلعنها من‌
صميم أعماقه وغالبية المبدعين في الأساس انطوائيين ، بينما النوعيات المشاغبة والمخربة تجد‌
في المدرسة وفنائها لذة ومتعة لا يجدوها في بيوتهم خاصة مع إيقاف الوزارة العقاب البدني‌
للأبد.. وعبارة ” من آمن العقاب أساء الأدب ” صحيحة معهم إلى حد بعيد.
والسؤال.. لماذا تنفق الدولة على هؤلاء النوعيات من الصبيان ولا أقول من الطلاب لأنهم لم‌
يكونوا بتاتا طلاب علم.. ولماذا تتهاون إدارات المدارس معهم عند التقييم بالسماح لهم بالغش‌
والمرور إلى الصفوف التالية؟‌

ومن المؤسف ان أجد الأهالي كل عام يزدحمون امام اللجان اثناء امتحانات الشهادة الإعدادية‌
لمساعدة أبنائهم في التفوق! وقد رأيت العديد من اللجان بلا رقابة جادة وانتشرت ظاهرة الغش‌
الجماعي بكثرة.. فأي فائدة من الامتحانات طالما ان نتائجها غير صادقة، واي مكانا للمجتهدين‌
وكيف للمبدعين ان يبدعوا في أجواء مثل هذه ؟ فأين العدالة والصدق والأمانة في مؤسساتنا‌
التربوية ؟وكيف للمدرسة ان تكون مؤسسة لتصدر معايير الاخلاق والتربية للنشء وهي تفتقد‌
لهذه المعايير أو تعجز في تطبيقها .فهنا تسقط في نظر الحقيقة ولا تصبح الا سوى مجرد مبني‌
حكومي كئيب بلا قيمة ..
‌كل صاحب اخلاق هو في الوقت ذاته صاحب علم او يجب ان يكون كذلك ، الاخلاق
‌توجب على صاحبها تحصيل العلم والاستمرار في ذلك الي ختام حياته ، فلا الطالب
‌يحاول ان يغش ولا المعلم يتهاون او يسمح بالغش ..

ان الانفاق على ‌25 مليون طالب وتوفير لهم تعليم جيد لأمر مستحيل على ميزانية تعاني ولهذا‌
يجب علي الطالب الغير جيد ” أخلاقياً” و” ذهنياً “من بعد المرحلة الابتدائية أن يتحمل نفقات‌
تعليمه.. بدلاً من التساهل معه في امتحان ” الدور الثاني ” الذي أصبح ليس له محل من‌
الاعراب.. أو توفير له نوعية من ” التدريب” تناسبه فالتعليم العام لا يناسب عدد كبير من‌
الطلاب ولذلك يجب أن يبدأ مسار للتعليم المهني من المرحلة الإعدادية وليست الثانوية..
توزيع الدواء الفاسد مجانا علي المرضي سيزيد من تدهور احوالهم ولكان أفضل ان تركوا بلا‌
دواء والأمر نفسه مع التعليم غير الجيد.. فنحن نخدع أنفسنا أننا نقدم خدمة تعليمية مجانية للجميع‌
ولكن في الحقيقة هي خدمة غير جيدة..
اين المسرح والموسيقي والشعر من مدارسنا؟ وأين الفصحى من حصة اللغة العربية وأين‌
تجاربنا في معامل العلوم والحاسب الآلي؟

هل السبب في المناهج؟
ومن المفيد ان نبين أسباب ذاك العجز الغريب، فهناك مبدأ مختل هو أساس كل اخفاق في‌
إصلاحاتنا، وهو اعتقادنا أن تغيير البرامج يزيل ضلال النفوس، فالمقررات الدراسية تتعدل‌
وتتغير كل مرة ويبقى الحال بل يزداد سوءا فلأننا نجهل أن طرق التعليم – لا برامجه – هي التي‌
يجب تعديلها. ولأننا نجهل أن الزحام في التعليم غير مبررا وأن التعليم أصبح لا يناسب الجميع‌
..فهناك نوعيات تقدر عدها بالملايين غير قابلة للتعلم ولا يناسبها التعليم العام وقد تجد نفسها في‌
نوعيات أخرى من التعليم وفي بيئات أخرى خارج بيئة المدرسة التقليدية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.