محمد ماجد يكتب | اتخاذ القرار والأمن القومي

0

إن عملية اتخاذ القرار ليست عملية مقتصرة على الساسة والاقتصادين ورجال الدولة فحسب، بل هي عملية حياتية يومية للإنسان العادي، يقوم بها في جميع أوجه حياته، أما إذا كان اتخاذ القرار متعلق بأمور دولة، يكون الموقف مختلف تمامًا، وبقدر ما يتوفر من معلومات ستكون درجة تأثير القرار، فعملية اتخاذ القرار من أهم مراحل صناعته، فهي المرحلة التي يتوصل فيها صناع القرار بناء على المعلومات المتاحة والأدوات المملوكة لديهم لوضع البدائل لاختيار الأنسب وتنفيذه، وإذا تحدثنا عن الأمن القومي، تنبثق النقاشات حوله طبقا لمفاهيمه ومحدداته المختلفة، وهنا كيف يؤثر اتخاذ القرار على الأمن القومي بشكل عام؟
عندما تتخذ دولة ما قرارًا تجاه موقف معين، وبعد دراسات مستفيضة ونقاشات مثمرة بناء على معلومات صحيحة ينتج القرار، وفي طياته توقعات بتداعيات معينة قد تحدث، وقادره على مواجهتها، أما إذا نتجت تداعيات أخرى لما تكن في الحسبان ولا كانت محل نقاش أثناء وضع البدائل لاتخاذ القرار، تصبح هنا أزمة وربما تهدد الأمن القومي للدولة، وهذا يدلل على وجود خلل في منظومة صنع القرار بالدولة، وبالتطبيق على الوضع الحالي للأزمة الروسية – الأوكرانية، نستطيع المقارنة في عمليات صنع القرار داخل الدوائر السياسية للجانبين، فمنذ بداية اندلاع الأزمة نجد القيادة السياسية الروسية تتعامل مع تطورات الوضع الراهن بصورة ممنهجة على شتى الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتمتلك من الأدوات الإعلامية ما يجعلها تواجه ردود الأفعال الغربية بصورة احترافية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على قراءة ممتازة للتوقعات التي ربما تحدث جراء الهجوم على أوكرانيا، حيث تضع في حساباتها جميع المواقف التي قد تتخذها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الاستعداد لمواجهة تداعيات العقوبات الاقتصادية التي ربما تُفرض عليها، والقدرة على الاستجابة السريعة والتعامل الاستباقي مع الأمور فهي تسعى للحفاظ على أمنها القومي تجاه ما أسميته التوغل الغربي في أوكرانيا.
على الجانب الآخر نجد تعامل القيادة الأوكرانية مع الأزمة لا يرقى لتعامل دولة مع أزمة تتعلق بأمنها القومي، بل بالعكس تزج بأمن مواطنيها وأمنها القومي في مهب الريح، حيث تستنجد بالدول الأوربية والولايات المتحدة لدعمها عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا لمواجهة روسيا، وأيضًا صدّرت للقارة الأوروبية أزمة اللاجئين الفارين منها، وهذا قد يزيد من الضغوط الاقتصادية على أوروبا، وإن استطاعت تحملهم اليوم، ربما لا تستطيع غدًا، فضلاً عن الحماس الزائد الذي يظهر جليًا في تصريحات الرئيس الأوكراني عن الوضع الراهن للأزمة، ووضع أمن شعبه ودولته على المحك، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أسلوب التعامل دون النظر لأبعاد ومحددات الأمن القومي، وأيضًا بعدم تقدير إمكانيات الخصم، وهذا يُفسر ضعف الاستجابة لدى الرئيس الأوكراني للمعلومات الواردة بشأن التداعيات السلبية جراء الإصرار على اتخاذ قرارات الانضمام لحلف الناتو أو مواليته للغرب، ودلالة ثالثة حول الخلل الظاهر في دائرة صنع القرار داخل الإدارة الأوكرانية والاعتماد على الإنصات للبعض.
سنجد دلالات على كيفية تأثير اتخاذ القرار على الأمن القومي من الناحية الاقتصادية، والتي ربما قد تضر بالأمن القومي الداخلي وتجعله عرضة لأخطار عديدة، وهذا سيكون له بالتبعية تأثير على الأمن القومي للدولة ككل، ونقيس على ذلك المزيد من القرارات المتخذة من قِبل القادة على مستوى العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.