محمد نبيل المصري يكتب | مؤامرة على مصر

0

لطالما كانت مصر في مرمى الأطماع والمؤامرات، وفي خضم تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، كادت أن تقع فريسة لمخطط دنيء كان يهدف إلى عزلها رقمياً.

فقبل سنوات ليست ببعيدة، عُرضت على مصر منحة ضخمة لتطوير وربط جميع سنترالاتها تحت مسمى “مشروع ربط سنترالات مصر”، مشروعٌ بدا في ظاهره خيراً، لكن في باطنه كان يحمل نية خبيثة للتحكم في شريان التواصل المصري.

في تفاصيل تلك المؤامرة، والتي كُشف عنها لاحقاً، كانت المنحة تتضمن ربط جميع السنترالات بشبكة واحدة مركزية، بحيث يكون أي عطل أو هجوم على هذه الشبكة الأم كفيلاً بشل الاتصالات تماماً في جميع أنحاء مصر، وعزلها عن العالم. كان هذا بمثابة فخ محكم، ليكون مصير اتصالات المصريين مرهوناً بيد خارجية، يمكنها قطع الاتصال عن البلاد بضغطة زر.

لكن عناية الله ويقظة القيادة المصرية كانت بالمرصاد. فقد كان الرئيس الراحل حسني مبارك، ورغم الضغوطات الهائلة، يمتلك بصيرة حادة وشعوراً عميقاً بالمسؤولية الوطنية. يُروى أن مبارك رفض هذا المشروع بشدة بعد أن استشار خبراء مصريين أدركوا خطورته، مؤكداً أن تنفيذ مثل هذا المشروع يشكل تهديداً لأمن مصر القومي.

وقد قوبل هذا الرفض بحملة ضغط مكثفة، لكن الرئيس مبارك و المشير طنطاوي و قيادات الجيش اصروا على موقفهم الرافض، وأن سيادة مصر الرقمية لا يمكن التهاون فيها.

هذا الرفض الحكيم لم يكن مجرد قرار سلبي، بل كان نقطة تحول ألهمت مصر لبناء قدراتها الذاتية والاعتماد على سواعد أبنائها. لقد أدركت الدولة أهمية امتلاك بنية تحتية اتصالات قوية ومستقلة، لا تكون عرضة للابتزاز أو التحكم الخارجي.

مصر اليوم: قصة نجاح في بناء المستقبل الرقمي

ما حدث بالأمس، من عطل محدود في بعض خدمات الاتصالات، كشف عن حجم النضج الذي وصلت إليه البنية التحتية المصرية. فعلى الرغم من أن أي عطل تقني قد يسبب إزعاجاً، إلا أن التعامل السريع والفعال معه، والذي لم يؤثر على الخدمات الحيوية، يؤكد على مدى تطور الشبكات المصرية وقدرتها على استيعاب مثل هذه الأعطال دون شلل كامل.

لقد استثمرت مصر بكثافة في بناء بدائل قوية ومتنوعة لضمان استمرارية الاتصالات في أصعب الظروف. من أبرز هذه البدائل:

مشروع مركز البيانات السحابي: يعد هذا المشروع العملاق ثورة في مجال تخزين ومعالجة البيانات، ويوفر بنية تحتية رقمية فائقة التطور تضمن استمرارية الخدمات الحكومية والخاصة، وتقلل الاعتماد على المراكز الخارجية. هذا المركز يمثل درعاً رقمياً يحمي بيانات مصر ويؤمنها.

تطوير وتوسيع شبكات الألياف الضوئية: شهدت مصر طفرة في مد وتوسيع شبكات الألياف الضوئية على مستوى الجمهورية، مما زاد من سعة وكفاءة الشبكات وقلل من نقاط الضعف المركزية.

إنشاء مسارات بديلة للشبكات وطرق طوارئ: تم تصميم الشبكات المصرية الحديثة بحيث تحتوي على مسارات بديلة متعددة تضمن تدفق البيانات حتى في حال تعطل أحد المسارات الرئيسية. كما تم وضع خطط طوارئ محكمة للتعامل مع أي أزمات مفاجئة.

الاستثمار في الكوادر البشرية: لم يقتصر الاستثمار على البنية التحتية، بل شمل أيضاً تطوير قدرات المهندسين والفنيين المصريين، مما جعلهم قادرين على التعامل مع أحدث التقنيات وإدارة الشبكات بكفاءة عالية.

إن ما نراه اليوم من مرونة وقدرة على التعامل مع الأزمات، هو نتاج رؤية حكيمة بدأت برفض مشروع كان يهدف إلى عزل مصر، وتحولت إلى إصرار على بناء مستقبل رقمي قوي ومستقل. لقد نجحت مصر في تحويل التحدي إلى فرصة، وأثبتت للعالم أنها قادرة على حماية أمنها القومي في جميع أبعاده، بما في ذلك البعد الرقمي. تحيا مصر، قوية، صامدة، ومستقلة في عالمها الرقمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.