محمد نبيل يكتب | التحول للدعم النقدي: إصلاح اقتصادي أم عبء اجتماعي؟

0

تُعد قضية الدعم أحد أبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تحظى باهتمام الحكومات والمجتمعات على حدٍ سواء، خاصة في الدول النامية. في مصر، يحتل ملف الدعم أهمية كبيرة كأداة لضمان العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر احتياجًا. ومع تطور الأوضاع الاقتصادية والتحديات التي تواجهها البلاد، بدأ التحول التدريجي من الدعم العيني إلى الدعم النقدي يبرز كخيار استراتيجي لتحقيق الكفاءة والعدالة.

الدعم العيني يعتمد على تقديم السلع والخدمات مباشرة للمواطنين، مثل توفير الخبز المدعم، والسكر، والزيت، ومنتجات الوقود بأسعار مخفضة. أما الدعم النقدي، فيعتمد على منح المواطنين مبالغ مالية مباشرة تمكنهم من شراء احتياجاتهم من السوق بحرية، بما يوفر لهم مرونة أكبر في تلبية احتياجاتهم الأساسية.

التحول إلى الدعم النقدي يأتي نتيجة العديد من التحديات التي واجهها نظام الدعم العيني. من أبرز هذه التحديات إهدار الموارد بسبب التسرب إلى الأسواق السوداء وسوء التوزيع، بالإضافة إلى عدم الكفاءة في إيصال الدعم إلى المستحقين الحقيقيين. كما أن النظام العيني يفرض أعباء مالية كبيرة على الدولة دون تحقيق الأثر المرجو، بينما يسهم الدعم النقدي في ضمان عدالة التوزيع وتقليل الفاقد.

بدأت مصر في اتخاذ خطوات فعلية نحو التحول إلى الدعم النقدي. تضمنت هذه الخطوات تطوير قواعد بيانات دقيقة للمستفيدين، وإطلاق برامج تجريبية مثل “تكافل وكرامة” التي توفر دعماً نقدياً للأسر الأكثر احتياجاً. كما يتم التدرج في تنفيذ هذا التحول لتقليل الآثار السلبية المحتملة على الفئات المستهدفة. التكنولوجيا أيضاً تلعب دوراً محورياً في هذه العملية من خلال تطبيق أنظمة الدفع الإلكتروني لضمان وصول الدعم للمستحقين بشكل مباشر وآمن.

رغم الفوائد المتعددة للدعم النقدي، مثل تقليل الفساد والهدر، وزيادة حرية المواطنين في اختيار السلع، وتحسين الكفاءة الاقتصادية، فإن هناك تحديات كبيرة قد تجعل هذا التحول عبئاً على المواطنين بدلاً من حلاً لمشكلاتهم. من أبرز هذه التحديات، تأثير التضخم المستمر على القيمة الفعلية للمبالغ النقدية المقدمة كدعم. ففي ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات بوتيرة سريعة، تنخفض القوة الشرائية للدعم النقدي، مما قد يضعف قدرته على تغطية احتياجات الأسر الفقيرة والأساسية.

هذا التآكل التدريجي في قيمة الدعم النقدي قد يؤدي إلى تفاقم معدلات الفقر بدلاً من الحد منها. الفئات الأكثر احتياجاً، التي تعتمد بشكل كامل على هذا الدعم، قد تجد نفسها عاجزة عن مواكبة ارتفاع الأسعار، مما يزيد من العبء الاقتصادي عليها ويؤدي إلى اضطرابات اجتماعية محتملة.

للتغلب على هذه التحديات، ينبغي ربط مبالغ الدعم النقدي بمعدلات التضخم لضمان استدامة قيمتها الفعلية. كما يجب تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير سياسات موازية تهدف إلى دعم الفئات الأكثر هشاشة، مثل تقديم برامج تدريبية لرفع الكفاءة الإنتاجية وتوفير فرص عمل مستدامة.

يمثل التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي في مصر خطوة جريئة نحو تعزيز كفاءة منظومة الدعم وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، إذا لم تتم مراعاة تأثير التضخم وتوفير آليات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، قد يصبح هذا التحول أزمة للمواطنين بدلاً من أن يكون وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.