محمد هنداوي يكتب | شهيد كُفن بعلم مصر من صفوف العدو
بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأرض الطاهرة سيناء في عام ٦٧ واحتلالها لأراضي ثلاث دول عربية (مصر – وسورية – والأردن ) وفي وسط هذا الظلام الدامس تعلن مصر بلسان زعيمها الرئيس جمال عبدالناصر ( إننا وأن كنا قد خسرنا معركة إلا واننا لم نخسر الحرب وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)
وقد تم فرض حالة من الاستنفار والتصعيد الدائم على الجبهة من أجل ان يدفع العدو الإسرائيلي ثمناً باهظاً طالما هو مستمر في احتلاله للأراضي المصرية والعربية.
فلم يكن لمصر ان تقدم على خطوه خوض حرب تحرير الأراضي المحتلة بدون توفير معلومات دقيقة من داخل الكيان الصهيوني وعن تحركات وتعداد قواته داخل ارض سيناء الحبيسة وهو الامر الذي كان يتطلب اختيار رجال ذو مواصفات خاصة، ابطال يقدمون ارواحهم ويتنازلون عن هوياتهم ليكونوا عين الوطن في عمق كيان العدو.
فكان من هؤلاء الابطال الشهيد البطل / عمرو مصطفى طلبة، مواليد القاهرة في يوليو ١٩٣٦ صاحب الـ ٣٢ عاماً في وقت بدء العلمية فقد كان البطل مثل كل شاب مصري وعربي في هذه الحقبة الزمنية يعتصره الألم والحزن على نكسة الأمة العربية في يونيو ٦٧ وكان مستعداً لبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الوطن، فجاءته فرصة نادرة ان يخدم الوطن ولكن ليس ضمن صفوف قواتها المسلحة ولكن ضمن جنودها المجهولين الذين ارتضوا ان يعيشوا في الظل ويضحوا بكل شيء، أسمائهم وهوياتهم.
فحينما عرض علية ضابط المخابرات العامة ان يخدم الوطن في سبيل تحرير الأرض من داخل الكيان الإسرائيلي ليكون عين الوطن ومندوبها ليصون عرضها ويحمي شرفها فما كان من البطل الا القبول والتسليم لخدمة مصر دون أي تردد لتُكَتب أول صفحة من صفحات البطولة في حياة البطل.
فتم تجهيزه في قسم المعايشة الإسرائيلية ووضع ستاراً يسمح له بأن يترك عائلته دون ان يلفت الأنظار بسفرة من خلال بعثة تعليمية وستاراً اخر لتكون الشخصية الجديدة له ويكون لها تاريخ ضمن المجتمع اليهودي والتي علية ان يتعايشها بكل جوانبها، ليبدء بتعلم علوم الدفاع عن النفس وعلوم جمع وتحليل المعلومات والشفرة واللاسلكي والتخفي فيتنازل عن اسمة وشخصيته ليتعلم الديانة اليهودية وتعاليمها واللغة العبرية واصولها ويتعود على اسمه الجديد الذي تم اختياره له ليكون ساتراً يمكنه من اختراق دولة الكيان الإسرائيلي .
سافر طلبة عام ١٩٦٨ تحت اسمة الجديد ( موسى زكي رافع ) من ميناء الإسكندرية متوجها لكوالامبور في ماليزيا ليصبح عميل خامل يتعايش مع شخصيته الجديدة حتى يتثنى له التقدم للهجرة داخل إسرائيل ليكون ضمن الشباب اليهود العرب مواطني إسرائيل المنتظرين ويستقر بها ويعمل بها ويكون من الصداقات الكثير والكثير.
وتأتي له الإشارة من مصر وتصل له أدوات عمله من مصر داخل أدوات حلاقة ويتم تفعيلة كعميل نشط ولكن حاله كحال كل شباب المهاجرين الجدد يتم تجنيد البطل داخل صفوف الجيش الإسرائيلي ويتم تعينه داخل احدى مواقع المراسلات داخل تل ابيب بعلاقاته الشخصية من خلال صداقته مع احدى عضوات الكنيست الفاعلين بالمجتمع وبحكم انه يهودي عربي ويجيد اللغة العربية فتم تعينه لمراقبة خطابات الجنود على الجبهة فيصبح لديه سيلا من المعلومات من داخل سيناء وتساعده في ان يقوم بدورة المنوط به ويرسل المعلومات التي يتحصل عليها للقيادة بالقاهرة، ولكن كان الهدف اكبر واكبر من ذلك فصدرت له التعليمات من مصر في عام ١٩٧٢ ليفتعل مشكلة مع صديقته لتغضب علية ويتم نقلة من موقعة ليتوغل داخل قوات الجيش ويصبح ضمن وحدات القوات الاسرائيلية على ارض سيناء ليتم نقلة لأحدى أخطر المواقع داخل الجبهة ويصبح مسئولا عن الاتصالات والإشارات اللاسلكية الإسرائيلية بين القيادة والجبهة بوحدة فريدة من نوعها داخل الجيش الاسرائيلي ويكون بدورة عين الوطن لينقل معلوماته من قلب سيناء ويمد القيادة المصرية بأهم وادق المعلومات عن مواقع وتحصينات العدو داخل ارض سيناء وتصل له التعليمات من القيادة المصرية قبل اندلاع الحرب يوم ٦ أكتوبر بالانسحاب لحمايته ولكن يأبى ان يترك موقعة ليكون همزة الوصل والعين الساهرة لمصر داخل الموقع الإسرائيلي.
وتندلع الحرب المباركة وتعبر القوات المصرية خط بارليف ومع انهيار تحصينات العدو تتحرك وحدته الى خط المواجهة ويتم ضرب الموقع الإسرائيلي ليستشهد البطل ويروي بدمائه الزكية ارض سيناء بالقنطرة شرق.
هو البطل الذي قال ” لقد وهبت روحي وحياتي كلها مقابل تحرير وطني ” وقد كُفن بعلم مصر وهو يرتدي زي العدو ضمن المهمة النبيلة التي كان يقوم بها.
فحسب مقولة لضابط الحاله بالمخابرات المصرية السيد/ ماهر عبدالحميد ” لقد حملناه عائدين دون أن نزرف دمعة واحدة فقد نال شرفاً لم نحظ به بعد”
هناك رجال ابطال يبذلون كل غالي ونفيس للحفاظ على أمن الوطن دون ان نرى صورهم او نعرف هوياتهم ولا يغيبون عن أوطانهم طرفة عين، هم عيوننا الساهرة عبر الزمن يحققون دائماً معنى كلمة وطن
رحم الله الشهيد البطل / عمرو طلبة … عاشت مصر وعاشت سيرة الابطال المخلصين