لم تعد المشروعات القومية في مصر مجرد أرقام في التقارير أو صور في وسائل الإعلام، بل أصبحت
اختبارًا عمليًا لقدرة الدولة على صياغة حاضر جديد وبناء مستقبل مستدام. فمنذ إطلاق رؤية مصر 2030،
تحولت هذه المشروعات إلى قاطرة للتنمية الشاملة، تسعى إلى إقامة بنية تحتية حديثة تحفّز النمو، وتفتح آفاق
الاستثمار، وترفع مستوى المعيشة للمواطنين.
ومع اقترابنا من منتصف الطريق نحو 2030، علينا أن نتوقف ونسآل: هل انتقلت هذه المشروعات من مجرد
إنجازات إنشائية إلى قوة إنتاجية مستدامة تدعم الاقتصاد الوطني وتحسن حياة المواطنين؟
هذا السؤال ليس تشكيكًا، بل دعوة لتقييم موضوعي لضبط البوصلة وتحديد أولويات المرحلة المقبلة.
شهدت مصر خلال السنوات الماضية قفزات ملحوظة في عدة قطاعات أهمها:
•البنية التحتية: إنشاء شبكة طرق وكباري وموانئ تجاوزت 7 آلاف كيلومتر، ساهمت في ربط المحافظات
ودعم الاستثمار.
•قطاع الطاقة: تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، واستثمارات تتجاوز 4.5 مليار دولار في الطاقة المتجددة
جعلت مصر لاعبًا إقليميًا مؤثرًا.
•الإسكان والتطوير العمراني: إنشاء أكثر من 20 مدينة جديدة وتطوير مناطق غير آمنة، مما حسن جودة
الحياة وقلل من العشوائيات.
رغم هذه الإنجازات، ما زالت هناك تحديات تتطلب مزيدًا من الجهد:
•العدالة المكانية: بعض القرى والمناطق الحدودية بحاجة إلى استثمارات إضافية لضمان توزيع عادل لثمار
التنمية.
•الاستدامة الاقتصادية: يجب تحويل المشروعات الكبرى إلى أنشطة إنتاجية استثمارية توفر فرص عمل
وتزيد الموارد الوطنية.
•بناء الإنسان: لا يمكن تحقيق التنمية الشاملة دون تطوير التعليم والتدريب وتهيئة سوق العمل للأجيال
الجديدة.
ولتعظيم العائد من هذه المشروعات، هناك أولويات أساسية أبرزها:
•التركيز على المشروعات الإنتاجية والصناعية ذات القيمة المضافة.
•توسيع الشراكات مع القطاع الخاص عبر حوافز وتشريعات مرنة.
•اعتماد آليات تقييم دورية لقياس أثر المشروعات وربطه بأهداف رؤية 2030.
•دمج البعد البيئي والتوسع في الاقتصاد الأخضر والدائري.
•تعزيز العدالة الاجتماعية بتوجيه المزيد من الاستثمارات إلى المناطق الأكثر احتياجًا.
عزيزي القارئ، إن نجاح الدولة في بناء مشروعات كبرى خلال فترة وجيزة يبرهن على قدرتها التخطيطية
والتنفيذية، لكن التحدي الحقيقي اليوم هو تعظيم العائد وضمان الاستدامة بما ينعكس إيجابًا على حياة
المواطنين ويحقق الطموح نحو مستقبل يليق بمصر والمصريين.
