محمود حبيش يكتب | العدالة نسبية والأهواء مُطلقة

0

أختلط بين الناس مسمى العدل بالعدالة وأصبح العدل سلعة مستهلكة يتغنى بها البعض كأسماء كتب ومجلات وكيانات وشركات ومؤسسات وحتى مطاعم ومقاهي إن جاز التعبير.

إن المبدأ الأساسي للعدل هو المبدأ الذي تم قبوله عندما حدده أرسطو لأول مرة منذ أكثر من ألفي عام فهو المبدأ القائل بأنه ” يجب معاملة المتساوين بالتساوي وعدم المساواة بشكل غير متساوٍ “.

فما الفرق بين العدل والعدالة ؟
يقتصر دور العدل الشكلي على بيان أن الإجراءات إن كانت عادلة لأن أحدًا لم يُستثنى أو يستبعد بشكل غير عادل من تطبيق القانون، مثلًا لا فرق بين أم تسرق لإطعام أطفالها الجياع وبين من يسرق لإرضاء ملذاته وشهواته، لأن العدل القانوني يعتد بالوضع الغالب الظاهر، ومن ثمّ فإن العدل الشكلي بما يحققه من مساواة شكلية قد يضغط على الحالة الفردية فتكون ضحية من ضحايا ذلك العدل الشكلي. أما العدالة فهي تجسيد للإنصاف، وتتعلق بإيجاد معاملة خاصة لحالات معينة تعمل على التخفيف من حدة وصرامة القانون، ومن ثمّ فالعدالة تؤدي للشعور بالإنصاف اعتمادًا على دقائق ظروف الناس وحاجاتهم .. ومن هنا ظهرت العدالة.

فما كان من تصوير العدالة إلا بتمثال لامرأة معصوبة العينين تحمل بيدها ميزان وباليد الأخرى سيف لتطبيق العدالة، فهل أكتملت الفضيلة الأفلاطونية بكون المرأة معصوبة العينين لكي لا ترى ولا تميل ويوجهها اى كفتى الميزان ترجح عن الأخرى ويكون السيف رمز السلطة وبها ترد الحقوق والمظالم ويسرى القانون ؟
أم النفس البشرية المؤمنة بأن الله لم يخلق البشر سواسية وأن هناك سيد وعبد وبينهما البشر سواء ولا يعامل هذا مثل ذاك، فذهبوا إلى مفهوم ” العدالة ” وبها تختلف الظروف فيختلف الحُكم فتكون إلتفاف على مفهوم العدل المقدس، فأصبحت المرأة المعصوبة عمياء مترنحة لا يستوي بيدها كفتي الميزان ولا ترى بمن تبطش بسيفها.

إن العدالة كما وضعت الاستثناء في القانون لمن يستحق وضعت به العوار لتتحكم به الأهواء فتكون العدالة نسبية والأهواء مُطلقة، فأصبحت أكثر الأنظمة عدلًا من حيث الفكرة أكثرها فسادًا فالشيوعية التي قامت على مبدأ الكل للكل والكل سواء خلقوا أكثر الأنظمة قمعًا واستبدادًا، والنُظم الرأسمالية ذات الحرية المُطلقة حكمتها الأهواء وشهوات الربح وأُهدر فيها حقوق الطبقات العمالية واستعبد البعض البعض بمُسمى الوظيفة لصناعة ثروات البعض، فأصبحنا نتخبط بين نظام وآخر بإسم العدل فأصبحنا كمن يعالج الحرق بالكي ..!!

نزعوا عن العدل قُدسيته فتحكمت به أهواء البشر فمن يملك السُلطة يضع القوانين واللوائح التي تضمن له البقاء وبالتالي يصبح مطالب بتنفيذ القانون الذي وضعه بنفسه سلفًا ويكون لزامًا عليه أن يستعمل سيفه لردع هؤلاء الخارجين عن القانون .. والأمثلة لا تنتهى، أينما برزت الشهوة تراجع العدل فهما لا يلتقيان أبدًا .. فلا القوانين الوضعية تامة العدالة ولا الأنظمة المجتمعية ترى الجميع سواء ولا الكيانات والمؤسسات التي منحت رئيسها سُلطة التبجح والتعظم على من دونه عدلًا .. فأعلم يا عزيزى إنها الدنيا وليست اليوتوبيا ويسكنها البشر لا الملائكة أما العدل فقد اختص به الله نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.