محمود حبيش يكتب | المثالية المُضللة

0

إن السعي وراء إدراك المثالية التامة و الفضيلة الكاملة غاية لا تُدرك ، لقد خُلقنا بين الخطأ و الصواب و نشأنا على نقيصة الأنفس و غموض الغايات وفى المقابل خُص الكمال لله وحدة و العصمة للأنبياء و الرسل .
– فلم يكن من الغريب في الأمر أن يصل ادعاء الكمال بصاحبه إلى الجنون، فمنهم من أدعى العصمة و منهم من أدعى النبوة بل حتى أدعى بعضهم الالوهية ..!!
السعي الى تحسين النفس و تهذيبها و جمح الشهوات من مكارم الأخلاق و الإصرار عليه أمرٌ مشروع، لكن عندما يختلط التَصنُع و النفاق بالنفس المُتكبرة ينقلب السعي خلف الفضيلة الى تبرير و تجميل سوء التصرف و السلوك بل يُرى أحياناً انه الفضيلة في حد ذاتها .
هذا صراع النفس البشرية بين المطلوب منها و المرغوب، فالأحرى بنا أن نُشفق على من تسول لهم رعيتهم فشلهم بالإنجاز و الانسحاب بالمخطط المدروس و التنازل بالتسامح و الصمت بالحكمة .
الجميع شركاء في المصير فلا المسؤول المُخطِئ وحده عن تقصيره و هو أولى به، لكن من دعموه شركاء في المسؤولية بل حتى من شاركهم بالصمت عن صنائع أفعالهم .
إن نموذج عرض الرجل الواحد ( One Man Show ) في السياسة يكاد يكون من أضعف النماذج السياسية للحاكم رغم إنه من أكثر النماذج المحبوبة للعامة و أكثرها جاذبية إلا إنه أسرعها انهياراً ، غالباً ما يتكون هذا النموذج صنيعة الصدفة مع بعض الصفات الفردية كالتحدث اللبق أو الحضور الجماهيري القوى و تساعده تسارع وتيرة أحداث غير طبيعية فيجد نفسه أمام الحضور حيث يجيد فيبهرهم بخطاب جماهيري قوى تلتف حوله الجموع، و سرعان ما يتداول مقاليد السلطة و يبدأ بتنفيذ خططه التي غالبًا ما يضعها منفرداً دون الرجوع لأهل الخبرة .. و لماذا يفعل ؟ فالجميع يتغنى به ..!! مع اعتياد سماع المديح الذى يصل له من حاشيته و يرفع عنه الخطأ و يعصمه أو حتى يرى فيه من صفات الالوهية، فيصبح هو الحاكم بأمر الله فيكون رجل الدين و قائد الجيش و رجل السياسة و رجل الاقتصاد … الخ ، و يبدأ باستقطاب من يرسخ عنده هذه الأفكار بالترغيب تارة و بالترهيب تارة اخرى .
– و غالباً ما تنتهى هذه النماذج سريعاً بانهيار نظم حكمهم الاقتصادية و العسكرية و السياسية فلا يقدر حتى ان يلوم نفسه و قد تنزه عن الخطأ، فيسند الامر الى من يستطيع ان يلوم عليهم و دون أن يتعلق بفرصه النجاة الأخيرة فيسند الأمر الى أهل الثقة و القُربى دون أهل الخبرة و العلم ، فيزداد الامر سوءً و تتسارع وتيرة النهاية الحتمية .
في نهاية المطاف تُحمله حاشيته سوء ما صنعوا به ثم يتنصلوا منه بحثاً عن آخر ليمدحوه فيقولون لو كان أنصت او استشار فللأسف لم تتركوا بباله غير سوء تملقكم له ، فالأحرى أن يُقال لو كان يعقل أو على الأقل قرأ التاريخ … فكل ما كان يكون و كل آتٍ قريب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.