محمود فيصل يكتب | قمة الرياض و”الصفر” مشاكل

0

إن انعقاد قمة الرياض في هذه الظروف، التي تعتبر الأكثر سخونة منذ عقود، مع عدم وجود أي مؤشرات على تهدئة وتيرة تصاعدها المستمرة، يظهر أن الشرق الأوسط، قد أصبح منطقة متنازعًا عليها بين العديد من الأطراف. وإذا أردنا مثالًا على الأطراف المتنازعة للسيطرة على الشرق الأوسط، سنجد لكل طرف مبرراته:
هناك طرف، يرى الشرق الأوسط مركز الكرة الأرضية ومنبع الطاقة والثروات. فقام، منذ عقود، بإنشاء كيان شيطاني ليكون دائمًا مزعزعًا لاستقراره ومجهضًا لأي محاولة ليهنأ سكانه بخيراته. هذا الكيان الشيطاني يؤمن بأنه سيحقق مكتسباته عاجلًا أم آجلًا، إلا أنه عندما شعر بلذة النصر في يونيو 1967، تلقى صفعة أربكت حساباته وكسرته في حرب أكتوبر 1973. ولكنه لم يستسلم، بل عمل، على مدار عقود بعد الحرب، على تكسير كل عوامل نجاحها.
الوحدة العربية والتماسك العربي، تمت خلخلتهما، والجيوش النظامية، التي ساندت الجيش المصري، مثل الجيشين العراقي والسوري، تم حلّها. كما أن سلاح النفط لم يعد واردًا في المعادلة. أصبحت الأرض ممهدة للجائزة الكبرى، ألا وهي مصر. فجاءت ثورات الربيع العربي، ليصل الحال إلى حكم الجماعة الإرهابية في عام 2012.
كاد الكيان الشيطاني أن يصل إلى هدفه، ولكن للمرة الثانية تقف القوات المسلحة، لتنصر الشعب في ثورة يونيو 2013. وهكذا تحطمت أحلامه أمام صلابة الشعب المصري. لكنه لم يستسلم، وجاءت الخطة البديلة: استغلال مطامع أصحاب النزعة الدينية التي حرص على تغذيتها وتقويتها على مدار سنوات، منتظرًا اللحظة المناسبة لإعلان حلم الخلافة أو حلم المملكة الفارسية.
هنا يظهر الطرف الثاني، وهو الطرف ذو النزعة الدينية، الذي يرى أن السيطرة على الشرق الأوسط واجب ديني، وعقيدة لا حياد عنها، ويظل يدافع عن طموحاته بترحيب وتحفيز ممن يريدون شرقًا أوسط متنازعًا وغير مستقر. وفي أثناء ذلك، تُثار الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية.
بحلول عام 2022، ظهر طرف ثالث، وهو السكان الأصليون للشرق الأوسط، المدافعون عن أوطانهم. هؤلاء الذين يبذلون الغالي والنفيس، ليعيشوا في سلام، في مواجهة مطامع شرسة ومخططات لا تهدأ.
كان صوت مصر الثابت دائمًا هو صوت الحق، ومنذ عام 2014، كان الصبر الاستراتيجي لمصر كلمة السر، حتى لا يقع الشرق الأوسط بأكمله في مستنقع الفوضى الخلاقة.
أدركت قيادات الشرق الأوسط، أننا مقبلون على مرحلة تتطلب العودة إلى السيادة الوطنية وضرورة التخلي عن حلم السيطرة والهيمنة، لأنها تقود للخسارة الكاملة. وبالفعل، كانت الشرارة الأولى لهذه العودة هي “اتفاق العلا” في عام 2021، الذي تبعه تقاربات وتفاهمات، كادت أن تصل بجميع الأطراف إلى إذابة نقاط الخلاف والبحث عن نقاط اتفاق.
لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن. ففي 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من أحداث، عاد الشرق الأوسط خطوات ضخمة إلى الوراء. فبعد أن كان البحر المتوسط منبعًا للثروات والغاز الطبيعي، أصبح مسرحًا لعمليات البوارج والقوات الدولية. أما البحر الأحمر، الذي كان ممرًا ملاحيًا، يربط الجنوب بالشمال، فأصبح لأول مرة مسرحًا للصواريخ العابرة للحدود.
في ظل هذه المتغيرات الجيوسياسية، لم يعد التغيير في المنطقة خططًا خفية، بل أصبح معلنًا على لسان أصحابها، وآخرها ما يسمى بخطة الجنرالات أو التصريح الشهير بأن إسرائيل مساحتها صغيرة على الخريطة.
كل ما سبق يعد مقتطفات سريعة من مخطط واسع وكبير. وكانت أول خطوة جديدة لمواجهته هي قمة الرياض في نوفمبر 2024.
في تلك القمة، ظهرت حنكة ودهاء زعماء الشرق الأوسط. فقد جاء تصريح الأمير محمد بن سلمان عن السيادة الإيرانية، وتأكيده على احترام الشعب الإيراني الشقيق كضربة قاصمة للفزاعة ،التي تُستخدم لاستغلال المملكة السعودية.
ثم جاءت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتؤكد موقف مصر الرافض للتهجير. بل وأضاف أن مصر لن تسمح بأن يصبح قطاع غزة غير صالح للعيش، ما يُعد كشفًا صريحًا لما يُسمى بمخطط الجنرالات.
انعقدت القمة بحضور تركيا وإيران، وبعيدًا عن المناوشات السورية مع أطراف مختلفة. ولكن الرمزية في الحضور، دون المقاطعة أو إعلان الغياب، تؤكد أن الجميع سيعود للسعي نحو “الصفر مشاكل”، أو على الأقل تحييد نقاط الخلاف مؤقتًا.
إن الخطر الذي يواجهه الجميع أكبر بكثير من المخاطر البينية لدول الشرق الأوسط، ما يُعد خطوة استباقية لما هو قادم، بداية من يناير 2025. ولكن السؤال الذي يظل قائمًا: هل ستبقى هذه الخطوة الاستباقية دون رد حتى يناير 2025؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.