محمود يوسف بكير يكتب | مزايا وعيوب البيتكوين

0

تتعدد مزايا وعيوب عملة البيتكوين عند مقارنتها بالدولار والذهب، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي.. المزايا من أهمها:
١، ‏أنها بعيدة عن تدخلات البنوك المركزية والحكومات التي تتلاعب بقيمة العملات الورقية في وقت الأزمات النقدية والمالية كيفما تشاء، ومن أمثلة هذا التوسع النقدي الكبير الحاصل الآن في كل دول العالم تقريبا لاستعادة النمو الاقتصادي الذي تضرر بشدة من جراء إجراءات الغلق العشوائي لكل قطاعات ‏الأعمال بعد اندلاع أزمة الكورونا في خلال العام المنصرم. هذا التوسع النقدي سوف يعقبه لا محالة نوبات تضخم كما ذكرنا من قبل، وأول مضار التضخم هو انخفاض القوة الشرائية للعملات وهبوط القيمة الحقيقية لمدخرات الناس و شقى عمرهم. ولذلك ننصح دائما بأهمية تنويع مدخراتنا بين الأصول العقارية والاستثمار في صناديق السلع والأوراق المالية بالإضافة إلى الذهب بالطبع لأن كل هذه الأصول ترتفع قيمتها مع التضخم.
‏كما أن البنوك المركزية تستطيع أن تؤثر في قيمة العملات الإلزامية ‏بطرق أخرى مثل تغيير ما نسميه بسعر إعادة الشراء الذي تطبقه البنوك المركزية على البنوك التجارية أو وفع نسبة الاحتياطي وهو ما يدفع الأخيرة إلى تخفيض أسعار الفائدة على أموال المودعين. وهناك طرق أخرى عديدة لتخفيض قيمة العائد على المدخرات بالعملات الورقية ولذلك فإنه من أهم مزايا النقود المشفرة هي أنها بمنأى عن كل هذا ولذلك يرى فيها البعض أنها نقود المستقبل وأنها مخزن جيد للقيمة، ولكننا لا نؤيد هذا لأسباب كثيرة كما سوف نوضح حالا.
٢، ‏من المزايا الأخرى أن الشركات التي استثمرت في البيتكوين تمكنت من تعظيم أرباحها وزيادة العائد على حقوق المساهمين لديها بينما ضاعت هذه الفرصة على الشركات التي لم تفعل هذا.
٣، ‏لا يمكن التوسع في إصدار البيتكوين يشكل مبالغ فيه كما يحدث مع النقود الإلزامية وذلك لان مجموع المعروض منها لا يمكن أن يتجاوز 21 مليون وحدة والمتداول حاليا يصل إلى حوالي 18.7 مليون وحدة بقيمة أجمالية تصل إلى واحد تريليون دولار تقريبا. علما بأن الوحدة تقسم إلى وحدات أصغر تبدأ بواحد على ألف. أي أنه لا يلزم شراء وحدة كاملة.
عيوب البيتكوين كثيرة ومن أهمها ما يلي:
١، ‏صحيح أنها مخزن جيد ومتزايد للقيمة، ولكنها أصبحت هدفًا للحكومات حيث أنها خارج سيطرتها ولا يفرض عليها أي نوع من الضرائب مثل كل الضرائب التي تفرض على الأرباح عند تحقيق مكاسب رأسمالية. وعملية الاستهداف هذه مخاطرة كبيرة في حد ذاتها.
وفي هذا ‏فإننا نتوقع أن تتجه الكثير من الحكومات إلى إصدار العملات الرقمية الخاصة بها وفرضها علينا باعتبار أن كل الصفقات التي تتم بالعملات الرقمية تسجل بشكل تلقائي في سجلات إليكترونية تبين بشكل تفصيلي كل انواع الصفقات التي نقوم بها وأطرافها وهو ما يمكن الحكومات من معرفة كل ما نقوم به من أوجه صرف عكس الحال مع العملات الورقية التي لا يمكن تتبع كيفية التصرف فيها. ولكننا نرى أن إصدار العملات المشفرة الحكومية لن يوقف المجرمين أو حتى غير المجرمين ‏عن الاستثمار في البيتكوين إذا ما رغبوا في هذا.
٢، ‏بالنسبة لرأينا الشخصي في مسألة أن البيتكوين مخزن جيد القيمة فقد تعلمنا في الاقتصاد أن أي مخزن حقيقي للقيمة لابد أن يكون وراه أصول ملموسة تدعمه، فالدولار مثلا وراه الاقتصاد الأمريكي العملاق ولذلك تستثمر كل دول العالم في السندات الأمريكية، كما أن الدولار هو المكون الأساسي في الاحتياطي الرأسمالي لكل دول العالم. وكذلك ‏الذهب الذي يأخذ قوته من كونه معدنا نفيسا يرغب كل الناس في اقتنائه والاحتفاظ به وحتى لو تقلبت قيمته من وقت لآخر فسوف يظل معدنا نفيسا مطلوب للزينة والصناعات الدقيقة وفي حالة ارتفاع مستمر، كما يمكن تركه كنوع من الادخار الجيد لأولادنا وأحفادنا. ‏اما البيتكوين فإنها لا تتمتع بأي غطاء ومن ثم فإنها أداة للمضاربة فقط..
٣، ‏تتعرض البيتكوين لمضاربات عنيفة وهو ما يجعلها في حالة عدم استقرار دائم وكثير من الاقتصاديين يعتبرونها أكبر فقاعة مالية موجودة حاليا وأنها عرضة للانفجار في أي وقت، ولكن وكما ذكرت من قبل فإننا نقول هذا منذ أكثر من 10 سنوات لم يحدث خلاها هذا الانفجار العظيم! ولكنها بالفعل تتقلب بعنف ‏مقارنة بالذهب والدولار.
٤، ‏عملية شراء وبيع البيتكوين صعبة ومعقدة للمستثمر العادي وكذلك عملية حفظها في محفظة رقمية مشفرة ولو أن أحدًا نسي جزءًا من الشفرة فإنه لن يستطيع استرجاع استثماره أبدا ولن يجد من يتحدث معه. كما أن التعامل في البيتكوين يحتاج إلى أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة وهذه تستهلك كميات هائلة من الكهرباء خاصة ‏فيما يسمى بعمليات التنجيم وهي عمليات يقوم بها نوع من المحترفين يبحثون خلالها ليلا نهار عن أي أخطاء في ليدجر البلوك تشين الخاص بالبيتكوين للحصول على وحدات مجانية من العملة، ومن ثم فإن الاستثمار في البيتكوين مكلف و ضار جدا بالبيئة.
٥، ‏من الحقائق المهمة أيضا والتي لا ينتبه إليها الكثير من المستثمرين في البيتكوين هي أنها لا تدر أي عائد منتظم مثل الاستثمار في الأسهم حيث يتم سداد توزيعات نقدية أو منح أسهم مجانية للمستثمرين فيها وكذلك السندات التي تحمل كوبونات فوائد تدفع بانتظام لحملة السندات وأيضا الاستثمار في ‏العقارات او المحافظ الاستثمارية يدر عوائد منتظمة. أما البيتكوين فإن الربح الوحيد المنتظر منها هو أن ترتفع أسعارها نتيجة المضاربات عليها وهي تشبه في هذا ما تقوم به صناديق التحوط في الغرب.
٦، ‏البيتكوين ليست مثل الدولار القابل للتداول والتحويل في أي مكان في العالم ويمكن عقد أي صفقة أو شراء أي شيء به بسهولة مطلقة بينما البيتكوين لا يمكن استخدامها لسداد الضرائب أو فواتير الكهرباء والمياه والرسوم البلدية وأقساط التأمين ومستلزمات الحياة الأخرى مثل الأكل والشرب.
أخيرا فإن البيتكوين لا تصلح كأداة نقدية أو مالية للتعامل مع مشكلات الكساد الاقتصادي والتي نتعامل معها عادة من خلال سياسات التيسير الكمي التي تتطلب مرونة عالية في المعروض النقدي لأن المتاح منها محدود ولا يمكن تجاوزه كما أسلفنا. والخلاصة أن البيتكوين وسيلة لتحقيق أرباح ضخمة للمضاربين الباحثين عن الأرباح السريعة ولديهم القدرة على الصبر وتحمل الخسائر الضخمة ولذلك فأنها أفضل من الذهب والدولار لهؤلاء، وعلى سبيل المثال فإن إليون ماسك صاحب شركة تسلا للسيارات الكهربائية وإكس سبيس وهو أغنى رجل في العالم حاليا قام مؤخرا باستثمار 1.5 بليون دولار في البيتكوين وأعلن أنه سيسمح ببيع سيارته بالبيتكوين. والفكرة أن من لديهم القدرة على المخاطرة لا ينبغي أن يترددون في أخذها، أما من لا طاقة لهم بهذا فعليهم بتنويع مدخراتهم ما بين صناديق الاستثمار الخاصة بالأوراق المالية والسلع والعقارات والذهب كل بحسب قدرته، ولكن الحذر واجب من حصر المدخرات في العملات الورقية وحدها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.