محيي النواوي يكتب | من حرب الأيام الستة إلى حرب الساعات الست

0

قبل أن نبدأ، ليس الهدف من تلك المقالات تقديم دراسة تاريخية وافية.. بل وضع شراح وافي لمن ينشدون فضائل الإختصار.
وبما أنني أعلم معالم الزمان الذي أعيش فيه، وأبتعاد الكثيرين من الشباب عن القراءة والإطلاع.. فقد حاولت جاهدًا أن أضع بين يدي شباب جيلي بعض الحقائق عن تلك الحرب.. والطريق الطويل الذي قطعته مصر بين مرارة الهزيمة وحلاوة النصر،، بين اليأس والأمل.. بين الحرب والسلام.
“من هنا نبدأ”
خاض العرب ضد إسرائيل أربعة حروب قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣.
فكانت الحرب الأولي عام ١٩٤٨ والتي كانت نتيجة لمقدمات سعي اليهود لإقامة وطن لهم فى فلسطين، والمنهج الإستيطاني الذي أنتهجه اليهود فى فلسطين من خلال الإستيلاء علي الأراضي الفلسطينية بعد طرد معظم سكانها الأصليين بحجج ودعاوي دينية.
فقد كان سعي الحركة الصهيونية فى النصف الآخير من القرن التاسع عشر للسيطرة علي أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية وتدعيم ذلك السعي بدعوات من المبشرون الأمريكيون إلى العودة إلى أرض صهيون.
كانت الدولة العثمانية شاهدة أولي مراحل الإستيطان وخاصة بعد مؤتمر لندن عام ١٨٤٠م، وأستمر هذا الإستيطان حتي عام ١٨٨٢م. حتي وصل عددهم إلى (٣٩) مستوطنة.. سكنها ما يقرب من (١٢) ألف يهودي.
وعلي الرغم من عدم ترحيب الدولة العثمانية بالإستيطان اليهودي فى فلسطين إلا أن نظام حيازة الأراضي التي أستحوذ عليها اليهود ساعدهم علي توسع ذلك الإستيطان.
ومع صدور وعد بلفور فى عام ١٩١٧م، والذي قضي بإقامة وطن قومي لليهود فى فلسطين، ودخول فلسطين عام ١٩٢٠م تحت الإنتداب البريطاني.. فقد كان هناك نشاط للمؤسسات الصهيونية بتدعيم من حكومة الإنتداب يكمن فى تمكين اليهود من السيطرة علي مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية.
ومع إنهاء الإنتداب البريطاني علي فلسطين وتحديدًا فى ٢٩نوفمبر عام ١٩٤٧ أعلنت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين “عربية، ويهودية”.
ويقول “موشيه ديان” فى مذكراته: “عندما أعلنت الأمم المتحدة فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ قيام دولة إسرائيل، كانت الدنيا ليلًا. فأيقظت أولادي من سريرهم وتوجهنا إلى قاعدة ناحال لنشترك مع بقيةالأهالي فى الرقص. وعندما أعلن القرار الذي ساهم فيه “بن جوريون” بقسط وافر شعرت بإحساس عميق بأنني يهودي بل بأنني لم أكن يهوديًا كما أنا الآن. وسري فى عظامي الإحساس بنصر اليهودية التي تغلبت عبر ألفي عام علي القيود والأضطهاد والمذابح إلى أن حققت حلمها القديم فى العودة إلى صهيون مستقلة.”!!
وفى ظهر يوم ١٤ مايو ١٩٤٨ بدأ الإحتفال بقيام دولة إسرائيل علي أجزاء من الأراضي الفلسطينية، وتعيين حكومة مؤقتة.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي.. أولي الدول التي أعترفت بإسرائيل.
لم تقف الدول العربية أمام ذلك الأمر مكتوفة اليدين.. وفي صباح يوم ١٥ مايو ١٩٤٨ دخلت الجيوش العربية إلى الأراضي الفلسطينية وكانت ممثلة فى جيوش “لبنان، سوريا، العراق، الأردن، مصر بجانب القوات السعودية التي كانت تعمل تحت القيادة المصرية”.
ويقول موشيه ديان فى مذكراته: “وقد عبرت كل هذه الجيوش الحدود وغزت إسرائيل وواجهنا موقفًا صعبًا للغاية لأن كل هذه الجيوش النظامية لدول ذات سيادة كانت مزودة بأسلحة ثقيلة وكان من السهل عليها الحصول علي أسلحة بصفة مستمرة، فى حين لم يكن لدي اليهود إحتياطي كاف من السلاح وكانت قوات الهاجاناة مجرد جيش صغير جدًا وعدة سيارات مدرعة محلية الصنع وبعض طائرات التدريب الخفيفة.”
وحققت الجيوش العربية نجاحًا كبيرًا فى فترة ما بين ١٥ مايو وحتي ١١ يونيو ١٩٤٨م.
ومع التقدم والتفوق للجيوش العربية.. حاولت الأمم المتحدة وقف إطلاق النار ووجه مجلس الأمن فى ٢٢ مايو نداء لوقف إطلاق النار، ولكن العرب رفضوا. فتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتين أعلنتا أن الحالة فى فلسطين تهدد السلم، وأسرعتا إلى مجلس الأمن تطلب منه بالتدخل الحاسم لوقف إطلاق النار.
ونتيجة لذلك وافقت جامعة الدول العربية علي قرار مجلس الأمن رقم (٥٠) والذي نص علي وقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع، ويمنع كل طرف من تحسين مواقعه الراهنة، ويتعهد بألا يحرك قوات أو معدات حربية، وألا يعزز قواته المقاتلة بوحدات أخرى. كما لا يسمح أيضًا للمهاجرين اليهود البالغين سن الخدمة العسكرية بالدخول إلى فلسطين إلا بموافقة خاصة من الوسيط الدولي، ونص القرار أخيرًا علي أن يجري تموين مدينة القدس بقوافل يشرف عليها الصليب الأحمر الدولي.
أحترم العرب بنود قرار مجلس الأمن، ولكن إسرائيل أستغلت هذه الأسابيع الأربعة أفضل إستغلال ضاربة عرض الحائط بالإلتزامات التي أخذتها على نفسها، وبقرارات مجلس الأمن، وساعدتها في ذلك بعض الدول التي سعت لوقف إطلاق النار.
فقد أتاحت الهدنة الفرصة لإسرائيل إعادة تنظيم قواتها المسلحة وتدريبها وإستيعاب المعدات الحربية التي بدأت تتدفق عليها من أوروبا.
كما أتاحت لها فرصة إعادة النظر في جميع مؤسساتها، وتنظيم الخدمة المدنية وتوسيع سلطة الحكومة المركزية.
وخلال الهدنة وصلت إلى إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية والطائرات الحديثة، وأصبح بإمكان القيادة العامة الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وخلافاً لقرار مجلس الأمن قامت القوات الإسرائيلية بتحسين مواقعها وتموين مستعمراتها ومدها بالأسلحة والذخائر مستغلة أحيانًا موافقة الوسيط الدولي على إرسال قوافل تموين بريئة المظهر، ووصلت إلى فلسطين المحتلة أفواج كبيرة من المتطوعين المدربين فى ظل تجاهل واضح من الدول الكبرى علي إنتهاك نصوص قرار مجلس الأمن.
فى ظل أنها وقفت في وجه كل محاولة عربية للحصول على السلاح، وطبقت النصوص بكل دقة عليها وذلك بتأثير من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وإلى اللقاء فى الجزء الثاني “تحول مسار الحرب”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.