مروان صباح يكتب | صفع وبكاء سميث وسخرية وذهول كريس

0
كانت واضحة الصفعة، بالطبع، في دفع الظنون حول أسباب صانعها، لقد أعادت صفعة الممثل الأمريكي 🇺🇸 ويل سميث للكاتب والمنتج كريس روك ذاك السجال العتيق حول مفهوم حضارات الدول ومدى تحضر مجتمعاتها، ولأن أيضًا، وهو لا لبس فيه، لو كانت حادثة الصافع والمصفوع قد حدثت في تجمع أخر من هذا العالم، ما كان لها أن تأخذ كل هذا الاهتمام والانتشار والاصطفاف بالآراء، لكن بالطبع، جغرافيا مثل جغرافية الولايات المتحدة، يبقى الحدث كالعادةً مختلفًا، وهذا الاختلاف يتعلق بخصوصية تكوينها الأممي، وما كان لها أن تتبلور الأمة الأمريكية لو لم تتمتع أمريكا برسالة جعلت منها أمة فاعلة بين البشرية، فالرسالة التي قامت عليها الولايات مجددًا، تحديدًا بعد الحرب الأهلية، قالت بالحرف: (أن كل الناس يتمتعون بالمساواة في حقهم بالحياة والحرية، والسعي إلى تحقيق السعادة)، وقد يتساءل المرء، ما هي خصائص الأمة، نقول باختصار شديد، عندما إمرأة تشتغل في وسط المومسات، وبالرغم من مهنتها المعيبة في نظر المجتمع وليس في بنود القانون، قادرة على محاكمة الرئيس السابق ترامب، أو أيضًا، عندما يرفض الحزب الديموقراطي ترشيح ابن الرئيس الحالي بايدن للانتخابات الرئاسة، لأن هناك شبهات تحوم حوله، إذنً، تشير تلك الواقعتين وغيرهما، أن أسباب الانتماء الحقيقي وليس الولاء، هو الذي يصنع أمة كاملة، وهذا كان قد حصل سابقًا تمامًا في أثناء المرحلة الأولى التي كون بها المسلمين أمتهم في المدينة المنورة، فعندما وقف الرسول (ص) وخاطب الجموع التي جاءت تشفع للمخزونية، قال ( إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )، هنا المراقب يلاحظ، أن الرسول لم يساوي فقط بنته الأحب إلى قلبه بالناس، بل أيضًا جرد نفسه من أي لقب يتقدم على أسمه، وهذه واقعة واحدة فقط من مواقف كثير عبرت عن الحق والعدل، الذي اشتغل عليه النبي واشتغلت المجموعة الأولى من بعده على زراعتهما، فلم يجدوا التابعين خيارًا آخر سوى المسارعة إلى حصاد بذور أمةً نشرت العدل وانتشرت في المعمورة .
بالطبع، لا يكفي أن يقف الممثل ويل سميث بعد الصفع ويقول باكيًا، بأن بصفعه الهمجي لا ينتمي لأمة معروفة بحضارتها، لأن ببساطة، كان المفترض له أن يقف بشكل حضاري حيث صفع، ثم يبادر بالتحدث بالمنطق الأضداد المعرفي لأسلوب كريس روك السخيف، وتوبيخه بالشكل الذي يليق بالمكان، على الأقل أصحابه يدعون بأن وظيفتهم هي نشر الثقافة وتوعية البشرية، وأيًا كانت نوايا روك الساخرة، يبقى هناك فارق عميق بين الفن الساخر والسخرية التي تُبنى على التقليل من شأن الآخرين، لأن لم يكن الفن يومًا ما يعتاش على إهانة الآخر، بل العكس صحيح، كان ومازال الهدف من الفن، هو رفع من قيمة المجتمعات حتى تتمكن من إفراز ابداعات أخرى وأفضل، وهنا بدورنا نذكر الطرفين وأيضًا جموع الحاضرين بمقولة الممثل ميل جيبسون الرائعة والتي تقول، ( لا يمكن لحضارة أن تفنى ما لم تفني نفسها من الداخل أولًا )، لهذا سارع سميث بتقديم الاعتذار باكيًا، ثم مبرر صفعه بعذر أقبح من ذنب، لأن عندما يقول بأنه فعل ذلك لأنه مجنون بحب زوجته جادا، واللذين كانا لهما السبق في مناوئة ومناوشة كريس قبل سنوات، عندما انتقدت جادًا منظمو حفل أوسكار (الأكاديمية) لتجاهلهم المتعمد للأقليات، فكان وقتها رد كريس عليها أيضًا بطريقة اسخف، عندما قال لها (لا يمكنك مقاطعة حدث لم تتم دعوتك إليه أصلًا)، إذنً، هناك قلوب مشحونة وتبيِّت مسبق كما يقال.
لقد قامت الأمة الإسلامية على احترام الآخر والأقليات، بل قد تكون عند البعض هي عنده مجرد مزحة، لكنها بالفعل قامت على لفت نظر بسيط، ذات مرة لفت الرسول محمد انتباه زوجته عائشة، وهي بنفسها راوية الحديث، عندما قالت كلمة بحق زوجته صفية، الحديث: ( قالت عائشة للرسول، حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة / تعني أنها قصيرة، فقال: لقد قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجتهُ)، إذنً، وظيفة الفنون، هو غرس الإبداعي من أجل أن ينبت مجتمعًا خلوقًا وليس حجرًا، وبالتالي أبدًا، الفن الساخر لا يقوم على مظهر الإنسان الخارجي، أي إن كان قصيرًا أو بدّيّنًا أو حتى نحيفًا أو حوّل العرق أو الجنس أو الهوية أو الإعاقة الجسدية أو العقلية، فكل ذلك وغيره، لا يعد فنًا، بل هو تنمرًا صريحًا لا ينتمي إلى مجتمع يسعى للأممية، بل هذه السلوكيات عرفت ظواهرها بين المناطق الكثيفة بالسكان وأقرب إلى العشوائيات، كانت هذه المناطق قد استولدت فنًا ساخرًا خاصًا، هو السُخّر من النفس، أي الفن المنولوجي الساخر، فهو مقبولًا بالطبع مع جملة تحفظات علمية، لكنه في المقابل أيضًا مرفوضًا عندما يقع على الآخر.
لا أحد يطيق السخرية منه من شخص أخر، أيًا كانت قرابة الشخص، وعلى الرغم أن الساخر على يقين أنه بالتنكيت هو يمس كرامة الآخر، إلا أن هناك من يتجاسر على الانتقاص من الآخرين، وعادةً هذه العلاقات تدمر حتى لو كانوا الأقرباء ذو صلة وطيدة، لأن باختصار وبصراحة، لا يلتفت للشكل إلا من هم فارغين فكريًا، وليس لديهم أي ميزة سوى السخرية على شيء لا يُقاس بالمعرفة، أي أنهم مجردون مِّن الكفاءة، لهذا، الفاشلون وحدهم يلجأون إلى هذا السلوك، لأنهم يتوارون خلفه ليغطوا عدميتهم وفراغ صندوقهم من الكفاءة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.