مشتاق الربيعي يكتب | الغناء غذاء للروح

0

الغناء يُعد حقًا غذاءً للروح، فهو القدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة تتجاوز الكلمات. البعض منا يتوجع مع بعض الأغاني، بينما يطير آخرون من الفرح عند سماعها، وذلك بسبب المواقف المختلفة التي صادفتنا في حياتنا، سواء كانت عاطفية أو نفسية أو اجتماعية. الغناء قادر على لمس أعماق النفس، وإثارة مشاعر كانت مختبئة، وإعادة إشعال ذكريات ربما نسيناها.

ومن منا لا يملك ذكرى مرتبطة بأغنية معيّنة؟ فكل لحن يحمل في طياته قصة، وكل كلمة موسيقية تعيد لنا لحظة عشناها، تجعلنا نبتسم أو نبكي، وتهز وجداننا بطريقة فريدة لا يمكن لأي كلام أن يحل محلها. إنه وسيلة للتعبير عن الذات، وأداة للتواصل مع المشاعر الداخلية بطريقة صادقة وغير مباشرة.

والأمر الأهم أن الغناء بحد ذاته يمثل هوية البلاد الثقافية، فهو مرآة لتاريخ الشعوب، وقيمها، وعاداتها، وأحاسيسها، ويعكس جمال ثقافتها وتنوعها الفني. فالأغاني الشعبية، الكلاسيكية، والمعاصرة تحمل في طياتها معاني المجتمع، وتعكس أحواله الاجتماعية والسياسية، وتروي قصص أجياله.

على سبيل المثال، أغاني السيدة أم كلثوم لا تزال خالدة حتى اليوم، وتستمع إليها أجيال وأجيال، فتأخذنا إلى عالم آخر من الإحساس والجمال، عالم يربط بين الماضي والحاضر ويجعل الموسيقى جسراً للذكريات والمشاعر. وأيضًا، هناك الأغاني السبعينية التي ما زالت حتى الآن حاضرة في أذهان الناس، تتداولها الأجيال المختلفة، وتُظهر أن الموسيقى الجيدة قادرة على الصمود أمام الزمن، وتصبح جزءًا خالدًا من الذاكرة الجماعية.

وكل إنسان له ذائقة خاصة في الغناء؛ فمنهم من يستمتع بالشجن، ومنهم من يطير بالفرح، وبكل الأحوال يجد انسجامًا مع اللحن ويعيش اللحظة بكل تفاصيلها. وبعضنا، من شدة الطرب والانفعال، يقوم بالغناء معها، مندمجًا تمامًا في تجربة الأغنية، كأن الموسيقى تتحدث عنه وتشبهه، وتمنحه فرصة للتعبير عن ما في داخله من مشاعر ربما لا يستطيع التعبير عنها بالكلام.
وبعضنا يبكي معها أحيانًا، وفي هذه الحالة يكون الغناء نوعًا من طهارة للروح، إذ يتيح للفرد أن يفرغ الأحاسيس المكبوتة ويشعر بالتحرر النفسي الداخلي.

إضافة إلى ذلك، الغناء لا يغذي الروح فحسب، بل يساهم في تعزيز التواصل الاجتماعي، إذ يربط بين الأفراد في لحظات مشتركة من الفرح أو الحزن، ويخلق شعورًا بالانتماء والهوية المشتركة. فهو يجمع الناس حول ذكريات مشتركة أو مناسبات مهمة، ويخلق تجربة جماعية تتجاوز الفردية لتصبح جزءًا من نسيج المجتمع الثقافي.

الغناء إذن ليس مجرد صوت أو كلمات، بل هو مرآة للمشاعر، وعابر للزمن، وغذاء للروح يلامس أعماقنا ويعطي للحياة ألوانها الخاصة. إنه تعبير عن الهوية، ووسيلة للتواصل الداخلي والخارجي، وجسر يربط بين الأجيال والثقافات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.